انتفاضة ٢٠ يونيو ١٩٨١ وقائع ودروس
بمناسبة مرور 40 سنة، عن انتفاضة 20 يونيو المجيدة، ارتأينا إعادة صياغة،هذه المقالة للتعبير،عن وقائع وأحداث تلك الفترة والدروس المستخلصة منها،بهدف الحفاظ على الذاكرة التاريخية لنضال شعبنا من أجل التحرر والانعتاق من نير الاستبداد المخزني والسيطرة الامبريالية. 1-في السياق التاريخي من أجل الخروج من أزمة الانحسار الاقتصادي الذي لازم فترة نهاية السبعينيات،تبنى النظام سياسة التقشف من خلال تطبيق التصميم الثلاثي لسنوات1978-1981،فكانت نتائجها كارثية على أكثر من صعيد،بحيث أدت الى: -تدني مرد ودية العديد من القطاعات الإنتاجية وفي مقدمتها قطاع الفوسفاط الذي تقلصت إنتاجيته بنسبة(5،4%)أد انتقلت في شهر نونبر من 26528000الى15635000طن،وهبوط مبيعاته في الأسواق المالية بسبب المنافسة. -تدني مروع في القدرة الشرائية من خلال تبني سياسة حقيقة الأسعار وذلك برفع الدعم عن العديد من المواد الأساسية مع العمل على تقليص الدعم المخصص لصندوق المقاصة. -موسم فلاحي أسود، بحيث عرف المغرب سنة1981جفافا استثنائيا،الذي مس بالأساس أراضي البور.ومن المعلوم أن المتضرر من هذه الأراضي هم الفلاحون الفقراء الذين لا يملكون مأوى لماشيتهم ولا يراكمون علف سنوات ولا يستطيعون الحصول على القروض وحفر الأباروالبحت عن مراعي في مناطق لم يشملها الجفاف لاكترائها وشراء العلف الذي وصل ثمنه أرقاما خيالية. -أتقال كاهل المواطنين بنفقات الحرب في الصحراء،التي قدرت حسب مصادر أمريكية بمليونين دولار والتي كانت تقتطع في شكل ضريبة خاصة من رواتب الموظفين المتوسطين والصغار والمستخدمين والعمال والعاملات،وبواسطة الضرائب غير مباشرة بالنسبة للغالبية العظمى من الشهب. -اختلال الميزان التجاري الذي سجل تفاوتا ملحوظا بين قيمة الصادرات (24،4+%) وقيمة الواردات (33،7+%) التي ارتبطت بتغطية العجز ألغدائي وبارتفاع أسعار البترول.
- أما التمويل الخارجي فقد عرف تطورا بلغ 55%مقارنة مع سنة 1980 بحيث ضرب رقما قياسيا وصل الى 14،2مليون درهم. لقد ساهمت هذه الوضعية الاقتصادية في تفاقم أوضاع الجماهير الشعبية،وتدني مستوى معيشتها،وتصاعد وتيرة البطالة في صفوفها ،التي بلغت مليون ونصف عند نهاية سنة 1980،وتشريد مئات الفلاحين الفقراء والمعدمين ،لكونهم لا يستفيدون من سياسة السدود ،وتدفق عائلات كبيرة منهم نحو المدن الكبرى و الاستقرار بمناطق أحزمة البؤس مما عمق من ظاهرة التضخم السكاني في المجال الحضري ،بحيث انتقلت نسبة السكان في البادية من 86%سنة1956 الى60% سنة 1970 الى 56%سنة 1980. كما عرفت هذه المرحلة أزمة سياسية خانقة بين مكونات المعارضة البرلمانية من جهة،و الطبقات الحاكمة من جهة أخرى.كانت مظاهرها الصارخة تتمثل في:
- فشل مناظرة أفران ،بعدما فشلت اللجنة الوطنية للتعليم المنبثقة عنها في تحقيق "إجماع سياسي ونقابي"حول ميثاق التعليم.
- دعوة الاتحاد الاشتراكي لمقاطعة استفتاء 30ماي 1980،المتعلق بتمديد عمر البرلمان من 4 سنوات الى 6 سنوات .
- النقد الصريح والواضح للدبلوماسية في مجال تسوية ملف الصحراء.
- الرقابة على صحافة المعارضة وقمع الحريات العامة من خلال مصادرة الحق في التعبير و التظاهر والإضراب وإقامة المحاكمات الصورية للمناضلين السياسيين والنقابيين.
- التنديد باستمرار المعتقلين السياسيين خلف القضبان.
- عدم تسوية ملف الموقوفين من رجال ونساء التعليم على اثر إضرابهم البطولي ( أبريل1979) .
- الاحتجاج على القضاء في إطار محاكمة قتلة الشهيد عمر بنجلون،الذي أخفى الكثير عن خبايا وأسرار هذه القضية ،ولم يستجيب لتساؤلاتها المحيرة. 2-نضالات 79-80 على اثر هذا الوضع المحجوز شهدت سنتي (79-80) حركة جماهيرية عارمة متقدمة على سابقتها،تمثل ذلك على الخصوص في حركة الإضرابات الطويلة النفس التي خاضتها الطبقة العاملة في قطاعات ومواقع إنتاجية أساسية مثل الفوسفاط،السكك الحديدية،النسيج،معامل انتاج السكر ،قطاع الموانئ،الصناعات الحديدية والبترولية والغذائية والتبغ،فأغنتها بانضمام نساء ورجال التعليم والصحة وقطاع الابناك. تميزت هذه الحركة النضالية بالاتساع والشمول في الزمان والمكان،كما انظم تاليها فئات أخرى تنتمي الى الشبيبة المدرسية والجامعية والتجار الصغار،كما ساهم أيضا الفلاحون في حركات احتجاجية ضد حرمانهم من استغلالهم للأرض،التي اتخذت أحيانا طابعا دمويا من خلال المواجهة مع القواد والدر كيين وأعوان السلطة( فلاحو قرية حذ كورت،وجماعة ولاذ سعيد،وقبائل الأوداية. وقد عزز أخيرا من طول نفسها النضالي ميلاد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل(ك-د-ش) التي حاولت تبرير شرعية ميلادها بتكتيف النضال في ضوء انتقادها للسياسة الانتظارية للنقابة المركزية :الاتحاد المغربي للشغل(ا-م-ش) حتى تتمكن من التميز والتجدر وبالتالي العمل على تفويت وتوسيع نفوذها السياسي والنقابي في أوساط العمال وباقي الفئات الكادحة والمهمشة. 3-اضرابات18/20يونيو1981 لكن إضرابات 18/20 يونيو،التي دعت إليها كل من المركزية النقابية:الاتحاد المغربي للشغل الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ،جاءت نوعية،فالدعوى للإضراب العام حول مطلب جوهري ذي طابع سياسي محدد وواضح:الإلغاء الفوري والكلي والضروري لكل الزيادات التي عرفتها المواد الاستهلاكية الأساسية في 28ماي1981،وفي 7يونيوتراجعت الحكومة عن 50% من الزيادات اثر الاحتجاجات والمظاهرات التي عمت مختلف المدن المغربية،ساهم بشكل كبير في إثارة الحماس الشعبي وتفجيره وضم إليه فئات واسعة من أشباه البروليتاريا،وبرز الدور المتعاظم للتجار الصغار والمتوسطين في اختراق الإضراب للأحياء الشعبية ومساهمة أوسع فئاته من أطفال وشباب ونساء وشيوخ في الإضراب العام،الذي تحول انتفاضة شعبية عارمة عمت مختلف مناطق الدار البيضاء،وكادت تتسع وتشمل المحمدية وباقي المدن الأخرى لولا إخمادها بقوة رصاص النظام الهمجي وقمعه الرهيب والوحشي قدرت المعرضة عدد الضحايا بين 600و1000وحسب شهود عيان ،فان 120فردا لقوا حتفهم مثأترين بجراحهم ،بحيث لم تقدم لهم الإسعافات الضرورية،وصدرت أحكاما قاسية بلغت 20سنة في محاكم الدار البيضاء،فغرفة جناية واحدة وزعت ما مجموعه1400سنة سجنا. 4-الشباب :القوة الضاربة في الانتفاضة كان الشباب المطرود من المدرسة والمقصي من الشغل والمحروم من الثقافة والترفيه،هوا لقوة الضاربة في الانتفاضة الشعبية البيضاوية،كان يندفع بكل قوة نحو الشارع متحديا قوات القمع على اختلاف ألوانها والمدججة بالسلاح،لتحطيم كل ما يرمز في عينيه الى الحرمان والقهر(الابناك،المحلات التجارية الكبرى،السيارات،الصيدليات،الكوميساريات،الطرق التي تخترق أحياء الصفيح...) كان العنف هو سيد الموقف،بمثابة الجواب المباشر عن لامبالاة الدولة-دولة الرعايا- وعنفها المدمر للجسد والروح معا.كان تعبيرا عن الإحباط وخرق الكرامة البشرية.كان أيضا إدانة صارخة لسياسة التسلط والنهب والقهر والقمع،ولسياسة الفوارق الطبقية الصارخة التي تخلق الثروة والرفاه لفئة قليلة من المجتمع لا تتعدى نسبة5%سكان المغرب،والبؤس والحرمان لدى فئات واسعة من الشعب وفي مقدمتها الشباب المقصي من شروط الحيات الكريمة والذي يمثل نسبة 80%من السكان النشطين،والذي يتعرض في جزء كبير منه للبطالة والتشرد والأمية والجهل وتعاطي المخدرات والانحراف بشتى أشكاله. خلاصــــات ودروس نسجل إن دعم المعارضة البرلمانية لإضرابات 18/20 يونيو، كان ورائه العناصر التالية: 1- السخط الشعبي الذي بلغ مداه برفض سياسية التقشف والتي وصلت إلى أوجها من خلال زيادات 28 ماي 1981 2- الخلل النسبي الذي حصل داخل التحالف الحاكم حول مسؤولية قرار الزيادة مثلا لقد طالب أحزاب الاستقلال والأحرار الديمقراطيون والحركة الشعبية الحكومة بالتراجع عن الزيادة ورفض هذه الأخيرة لشروحات وزير المالية. 3- أزمة المؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان الذي تصدع أداؤه نتيجة مقاطعة الاتحاد الاشتراكي لاستفتاء تمديد البرلمان(من 4 إلى 6 سنوات ) بتاريخ 30/05/1980 والذي اعتبره الحكم موقفا خارجا عن نطاق اللعبة السياسية ومنافيا للمؤسسات الدستورية . 4-المأزق الذي وصلت إليه تسوية ملف الصحراء الذي أبان عن اختلال كبير في أداء الدبلوماسية المغربية. نسجل أيضا أن إضراب 20 يونيو الذي دعت إليه كدش لم يكن ناجحا بشكل كبير كما حدث في 18 يونيو ، نظرا للضعف التنظيمي لكدش ولرفض القيادة البيروقراطية (ا م ش ) المشاركة فيه وكان لهذا العامل دور حاسم في اكتساح شباب الأحياء الشعبية لإرغام التجار الصغار على إقفال دكاكينهم ورشق الحافلات بالحجار لتتوقف عن العمل ، الشيء الذي جعل المتظاهرون يدخلون في مطاردة أعوان السلطة (المقدمين والقوات المساعدة) الذين كانوا يحاولون هم الآخرون الضغط على التجار الصغار لفتح دكاكينهم، من هنا كانت الشرارة الاولى لاندلاع الانتفاضة. نسجل إن رجال الأعمال ومختلف الفئات البورجوازية الطفيلية وكذا مسئولين سامين في الدولة تملكهم الفزع والرعب، ومنهم من كان يستعد للهروب إلى الخارج بالطبع مع أمواله. أول الدروس التي استخلصها الحكم من الانتفاضة الشعبية هو ضرورة إعادة مراقبة المجال السياسي والتحكم فيه لأمد طويل من خلال عدة إجراءات تتلخص في التالي: -إعادة تقسيم مدينة الدار البيضاء إداريا ومنح سلطات واسعة للعمال -إضعاف الاتحاد الاشتراكي كقوة سياسية ، من خلال قمع بعض أطره (محاكمة أعضاء من المكتب السياسي على اثر إصدار بيان رفض الاتفاق على الاستفتاء في الصحراء ) والزج بعدد من المناضلين في السجون،وتوقيف جرائد المحرر بالعربية والفرنسية واعتقال الأطر النقابية لكدش وفي مقدمتهم أعضاء من المكتب التنفيذي. -توسيع قاعدته النيابية بخلق حزب جديد (حزب الأحرار الديمقراطيين الذي انفصل عن حزب الأحرار ) ، للاهتمام بالمجال القروي مثل نظيره حزب الأحرار الذي أصبح اهتمامه منصبا على المجال الحضري. -الدخول في مشاريع للسكن،للحد من ظاهرة أحياء الصفيح والتقليص من الكثافة السكانية التي تساهم في الاختناق الاجتماعي والاقتصادي. -فرض الحضر العملي على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. -تضييق الخناق على الإسلاميين ومراقبتهم من داخل المساجد. -فرض الرقابة على الجمعيات الثقافية والتقدمية وقمع أنشطتها الإشعاعية. -أما بالنسبة لأحزاب المعارضة فنظرا لخروجها ضعيفة ومنهكة بسبب القمع والاعتقالات ومفككة على المستوى النقابي والسياسي،قامت بوضع خطة للتراجع التكتيكي كحل امثل من اجل بناء قواها وتضميد جراحاتها. وقد استمر هذا الوضع طويلا، مما أدى الى تنمية نواة يمينية صلبة لها شبكات واسعة داخل الحزب وفي وسط نفوذها الخارجي. أما بالنسبة للقوى الثورية فقط شكلت لها انتفاضة 20 يونيو 1981 وخصوصا جناحها المنظم (الى الأمام ) ميدانا لاختبار أفكارها وقياس نجاح إستراتيجيتها الثورية، فبحكم الموقع المتميز الطبقي الذي تحتله الأحياء الشعبية الذي تقطنه جماهير غفيرة من الكادحين والمهمشين واحتياطا هائلا لجيش العاطلين عن العمل او أشباه البروريتاريا، ونظرا للتواجد المكثف للفئات العمالية والبروريتارية العاملة في المصانع الكبرى والمتوسطة والصغيرة ، ورشات الإنتاج الأساسية والموانئ. ارتأت منظمة إلى الأمام في إطار خطتها التكتيكية من أجل الارتباط لهذه الفئات، وتسهيلا لمهمة التجدر وسط الطبقة العاملة، أن يرتبط أطر ومناضليها لهذه الجماهير في الأحياء الشعبية والعمل على إفراز طلائع عمالية من خلال الالتحام بهم في سيرورة النضال الطبقي واليومي، فكانت بالتالي مهمة العمل في الأحياء الشعبية مهمة مساعدة او مكملة لمهمة التجدر وسط الطبقة العاملة،او بعبارة أخرى كتكتيك غير مباشر. ولم يحصل التحول النوعي في التوجه للعمل في الأحياء الشعبية برؤية سياسية وإستراتيجية جديدتين إلا مع الانتفاضة بالدار البيضاء حيث أبانت هذه الانتفاضة الشعبية المجيدة عن طاقات نضالية زاخرة وكبيرة . وبرزت لأول مرة الدور المتعاظم الذي يمكن أن تقوم به الانتفاضة الشعبية كشكل من أشكال العنف الثوري الجماهيري المنظم. إن التحليل السياسي لسنة 1981 الذي أنجز عقب الانتفاضة سجل بوضوح فائق هذه الأهمية النضالية والإستراتيجية التي يمكن أن تكتسيها الأحياء الشعبية كإحدى المواقع الأساسية لتعميق مسلسل الثورة في المغرب .