الإعلان الجزائري ولادة قيصرية من رحم مبادرة «الديمقراطية
■ بينما يختار الشباب الفلسطينيون طريق الوحدة في "عرين الأسود" على الرغم من إختلاف إنتماءاتهم السياسية، والتي ترفع شعارات تمجد القادة التاريخيين الشهداء بدءا بالرئيس ياسر عرفات «أبو عمار»، ومؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين، والتي إستدعت أن يكون نصف جيش الإحتلال الإسرائيلي في الضفة، إستنفارا للوقوف ضد هذه الوحدة التي تهدد مستقبل دولة الإحتلال الإسرائيلية، أتى حوار الجزائر الهادف إلى ترميم العلاقات الفلسطينية، حفاظا على وحدتها الداخلية التي من شأنها رصّ الصفوف في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، وإنهاء الخلافات على غرار الإتفاقيات الفلسطينية التي لم تر النور، لكن الشعب الفلسطيني الذي يكتوي بنار الإنقسام، مازال قلقا على مصير المصالحة الحقيقية إذا ما وضعت على السكة الصحيحة أم مازال مصيرها معلقا وفق الظروف، وليست إلا عبارة عن إرضاء دولة عربية ذات وزن كبير ودور عريق في الصراع العربي- الإسرائيلي مثل الجزائر؟
لقدت عقدت الفصائل الفلسطينية حوارات ومحادثات وإتفاقيات كثيرة، لاسيما بين حركتي «فتح» و«حماس»، بهدف إنهاء الإنقسام، بدءا من إتفاقية مكة عام 2007، حيث وقعت الحركتان "فتح" و"حماس" إتفاق تشكيل حكومة واحدة في ظل الإقتتال الداخلي وبعد شهور من هذه الإتفاقية سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، وتعمق أكثر الإنقسام، وفي عام 2008، وقع الطرفان على وثيقة مصالحة في اليمن، لكنهما إختلفا لاحقا في تفسيرها، وبالتالي لم ينجحا بتنفيذ أيا من بنودها، وبناء عليها إستتبع حوار دكار عام 2008، بإشراف الرئيس السنغالي، وبقي الإتفاق حبرا على ورق، وبعد عدة مشاورات وسلسلة لقاءات، طرحت مصر ورقة مصالحة عام 2009، سميت بإتفاق القاهرة، والذي دعا إلى الإنتخابات، لكن سرعان ما تم تجميدها، وبعد أن أعلن الطرفان أنهما قريبان من إتفاق جديد، إستضافتهم سوريا في لقاء دمشق عام 2010، وتم التوقيع على إتفاق المصالحة عام 2011، بشأن تشكيل حكومة مستقلين وإجراء إنتخابات عامة، وعلى الرغم من ذلك، لم يتم تشكيل حكومة بسبب خلافات جوهرية تتعلق ببرنامج العمل والأجهزة الأمنية، وفي ذات السياق، وقع الطرفان على إعلان الدوحة عام 2012، الذي لم يبصر النور، الهادف إلى تشكيل حكومة وإجراء الإنتخابات، وبناء عليه عقد لقاء القاهرة الثالث عام 2012، بهدف وضع آلية لتطبيق إتفاق الدوحة، وعلى هذا الأساس تم الإتفاق في إعلان القاهرة عام 2013، عندما أعلن الطرفان موافقتهما على تطبيق إتفاق المصالحة، ليتم الإختلاف مجددا في التفسيرات، كما إستؤنفت العلاقات مجددا من خلال إتفاق الشاطئ في غزة عام 2014، الذي قضى بضرورة تشكيل حكومة مستقلين وإجراء الإنتخابات، والذي تم على أثره إعلان إتفاق حكومة الوفاق برئاسة رامي حمد الله، لكنها إنتهت بعد أن تبادل الطرفان الإتهامات، حيث إتهمت الحكومة حماس بأنها شكلت حكومة ظل، وإتهمت حماس الحكومة بتهميش قطاع غزة، ما أثمر عقد إتفاق مجدداً في القاهرة عام 2017، يهدف إلى تشكيل حكومة واحدة والذهاب إلى إنتخابات، وتنفيذ ما تم الإتفاق عليه عام 2011، وقبل إعلان الجزائر، إجتمع الطرفان أيضا في القاهرة عام 2021، واتفقا على إجراء الانتخابات، لكن الرئيس محمود عباس ألغى الإنتخابات بحجة عدم سماح العدو الإسرائيلي بإجراء الإنتخابات في القدس ما أجج الخلافات مجددا، وعلى هذه الأرضية، رعت الجزائر المصالحة الوطنية الفلسطينية، حيث إتفق الطرفان في هذا الإعلان على إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية في السلطة الوطنية الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية.
في المقابل، كانت قد وضعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين خطة عمل واضحة المعالم في مبادرتها التي أطلقتها في 16/01/2022، والتي قدمتها إلى الوفد الجزائري، وبناء عليها، يمكننا القول أن الجزائر تبنت خطوطها العريضة، ومنحت سنة كاملة لتنفيذ الإعلان الجزائري المتفق عليه، أي كما هو وارد بنص المبادرة، لكن المبادرة لم تتفاعل بشكل كبير، بسبب إنعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 2022، والذي شكل قضية رأي عام، عندما إمتنعت بعض الفصائل الفلسطينية عن المشاركة فيه، وشنت هجمات إعلامية كبيرة على الجبهة الديمقراطية، حيث إعتبرت أن مشاركة الجبهة الديمقراطية في المجلس المركزي هو إنقلاب على المبادرة التي تقدمت بها، وهذا بالتأكيد على خلاف الواقع، بإعتبار أن الجبهة الديمقراطية كانت دائما حريصة على تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تؤمن أن التغيير يكون من داخل المؤسسات ومن خارجها، وبناء على ذلك، كان البيان الصادر عن المجلس المركزي مهما جدا على صعيد النضال الوطني، يحاكي تطلعات الشعب الفلسطيني بكافة فصائله ومكوناته.
وفي ذات السياق، تميزت مبادرة الجبهة عن غيرها من المبادرات التي كانت غير مطمئنة على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية، حيث قدمت حركة حماس مبادرة سياسية بعد ثلاثة أسابيع من وقف إطلاق النار، في 7حزيران عام 2021، ثم قدموا المبادرة ذاتها إلى حوار القاهرة في 12 حزيران 2021، وأعادوها عملياً ببيان صدر عن المكتب السياسي للحركة في 9 تشرين الأول عام 2021، وكانت كلها تدور حول استحداث قيادة مؤقتة تشرف على تشكيل مجلس وطني فلسطيني، بإعتبار أن عملية الانتخابات مستبعدة أو ليست مطروحة الآن على جدول الأعمال، بينما الأعضاء في حركة فتح يستبعدون تماماً كل ما له صلة، أو كل ما يمكن أن يمس بوضع المجلس الوطني والهيئات المنبثقة عن المجلس الوطني، فهم يعتبرون أن هذا الموضوع ليس مطروحاً على جدول الأعمال، وهو موضوع مؤجل إلى أن يتم انتخاب المجلس التشريعي، وتجديد شرعية الرئاسة، والأولوية الآن هي تشكيل حكومة وفاق وطني، أو حكومة وحدة وطنية.
الكل يدرك أنه لا توجد إمكانية لمعالجة قضايا الانقسام بالساحة الفلسطينية بمعزل عن إدراج موضوع المنظمة، وهيئات المنظمة، ولكن، عندما شطب طرفا الإنقسام البند السابع من مشروع «إعلان الجزائر» الذي كان ينص على تشكيل حكومة وحدة وطنية، مسؤولة عن إعادة توحيد المؤسسات وتبني استراتيجية كفاحية لتوفير عناصر الصمود والتصدي لدى أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ومقاومته، والتصدي لعربدات عصابات المستوطنين، فهو ليس إلا دليل على إصرار الطرفين على موقفهما، وعلى رؤيتهما الفصائلية الضيقة لشروط وأسس تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الأمر الذي أدخل الحوار في استعصاء في اللحظة الأخيرة، كان سيهدد كل نتائج الحوار، كما كاد أن يعيد الجولة إلى نقطة الصفر، لولا تدخل الراعي الجزائري الذي حاول جاهداً الوصول إلى توافق يحفظ ماء وجه الوفود الفلسطينية أمام الشعب الفلسطيني، وأمام الرأي العام الجزائري خاصة والعربي عامة.
لذلك، كانت مبادرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تنص على المصالحة من خلال مسارين متوازيين في آن معا، بين السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال الإنتخابات التشريعية والرئاسية، وبين منظمة التحرير الفلسطينية من خلال توسيع المجلس المركزي وتشكيل لجنة تنفيذية جامعة على طريق انتخاب مجلس وطني جديد يضم الجميع، واضعة بذلك آلية وشروطاً لتحقيق هذه الأهداف، وليس من خلال كلام عام، بل من منطلق واقعي حقيقي، يمكنه تجاوز المصالح الضيقة لطرفي الإنقسام، حركتي فتح وحماس، على أن تستكمل الحوارات لتنفيذ مخرجات إجتماع الأمناء العامين المنعقد في 03/09/2020 بين بيروت ورام الله، لوضع إستراتيجية نضالية للمقاومة الشعبية في ظل قيادة موحدة بهدف الوصول للإنتفاضة الشاملة.
في الختام، يمكن القول أن الإعلان الجزائري الذي هو من رحم مبادرة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين مازال في «غرفة العناية المركزة»، لا يمكن أن يستمر إذا لم يتغذ من خارطة الطريق التي وضعتها مبادرة الجبهة، التي ذكرت المسار اللازم حول آلية تنفيذه وتطبيقه على أكمل وجه، وإلا فإننا ندور ضمن الحلقة المفرغة ■
الإعلام المركزي
فــؤاد بكــر
قاضي في المحكمة الدولية للنزاعات
رئيس دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين