المنتدى اطار حقوقي نوعي رائد
لقد شكل المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف منذ تأسيسه، إضافة في المجال الحقوقي ليس في المغرب فقط بل تجربة نوعية وفريدة على المستوى الجهوي والإقليمي.
ولقد اكتسب المنتدى ميزاته هاته من خلال تبلوره كقفزة نوعية في المجالين الحقوقي والسياسي، وبطرحه لرؤية استراتيجية شاملة لمعالجة قضية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب، حيث ربطت هذه الرؤية بين مطالب الضحايا ومطالب المجتمع، متجاوزا في ذلك المقاربة السياسية الاختزالية، والمقاربة الحقوقية التجزيئية. من خلال تحديد أهدافه في إقرار الحقيقة، ومساءلة مرتكبي الانتهاكات وجبر الأضرار وإعادة الاعتبار للضحايا والمجتمع، وأخيرا الوقاية من تكرار ما جرى عبر إرساء نظام قانوني ومؤسساتي يضمن احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، لأن حماية الحريات الفردية والجماعية داخل المجتمع لا يمكن أن تتم إلا من خلال وضع أسس وقواعد قانونية ودستورية وإدارية لنظام حكم ديمقراطي وإعماله على مستوى الإنسان والسياسة والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين.
إن بروز منتدى الحقيقة والإنصاف، وبطرحه ورؤيته الشمولية هاته لمسألة الانتهاكات الجسيمة، وطرحه للمعالجة من خلال الربط بين الجانب الحقوقي ومسألة الديمقراطية بكل أبعادها السياسية. أعطى قوة دفع جديدة للنضال على هذه الواجهة الهامة التي تكثف فيها الصراع السياسي خلال العقدين الأخيرين، وخلخل المجال السياسي والفاعلين في المجتمع، حيث سرع من وثيرة الانخراط في هذه الجهة النضالية ودفع بالنظام السياسي إلى إعادة النظر في مقاربته لإنهاء هذا الملف عبر هيأة التحكيم المستقلة، والتوجه نحو مقاربة أخرى استمد مقوماتها الفكرية والعملية، وحتى البشرية، من مقاربة المنتدى وأطره التي تم استقطابها من داخل المنتدى، وهذا ما جسدته هيأة الإنصاف والمصالحة.
إن الدور الحقوقي والسياسي والتعبوي الذي لعبه المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، سواء لدى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وداخل الحركة الحقوقية بصفة عامة، وكذا التدافع الذي عرفه المغرب، عبر قوافل الحقيقة، والوقفات الاحتجاجية أمام المعتقلات السرية والعلنية، والكشف عن الكثير من المعطيات المتعلقة بكل أشكال الانتهاكات التي ظلت مطموسة، ومكبوتة لدى المختطفين والمعتقلين. إن كل ذلك جعل المنتدى يلعب دورا رياديا وقاطرة للحركة الحقوقية بالمغرب.
اعطاب المنتدى
إن المكانة الحقوقية والسياسية التي اكتسبها المنتدى، وفي ظرف وجيز من نشوء، لم يسلم من الاختراق المخزني له، ومن استقطاب كبير لأطره من سابقي المعتقلين السياسيين، وأصبح هو الآخر محط صراع على قاعدة خلفيات سياسية وتقديرات للتطورات التي عرفها المغرب على كافة الأصعدة والمستويات، خاصة وأن أهم الأطر التي صاغت وبلورت مسلسل التسوية والمصالحة بمضمونها المخزني هي أطر للمنتدى، ولا غرابة أن رئيسين للمنتدى اختارا الارتماء في مؤسسات الدولة المخزنية، وسهرا على تطبيق وتسويق مقاربة المخزن.
لقد انطلق الصراع الحقوقي بمضامينه السياسية منذ المؤتمر الوطني الثاني والثالث، ولازالت تداعياته متواصلة ومستمرة إلى الآن ، سيما وأن المنتدى عرف تراجعا كبيرا على مستوى حجمه وفاعليته، وتضاءل إشعاعه النضالي، وكذا الدور المفترض الذي كان بمقدوره أن يلعبه. ولقد طال هذا الوضع الكثير من أعضائه المؤسسين الذين آثروا الانسحاب أو الإبتعاد، لما أصبح يمثله المنتدى لدى البعض منطلقا للعبور نحو السلطة، ومجالا للارتقاء السياسي والإجتماعي.
إن الوضع المتردد الذي عليه المنتدى الان، وكذا الغموض الذي يلف ممارسته العملية، جعل البعض من أعضائه ومسؤوليه يزاوج بين عمله داخل المنتدى كمنظمة مستقلة للضحايا، والاشتغال في نفس الوقت داخل المجلس الوطني كمؤسسة تابعة للدولة. ومما أضفى المشروعية على هذه الازدواجية .القرار الذي اتخذه المنتدى وبفارق صوتين وفي غياب الكثير من المناضلين بالمشاركة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان. إن المسار الذي اتخذه المنتدى منذ مؤتمره الثالث المنعقد بمراكش في دجنبر 2009، والشكل الذي تدار به شؤونه، جعله يخرج من نطاق استراتيجية الاحتجاج، والاقتصار على عقد الندوات رغم أهميتها في الفنادق الفخمة، والانشغال بالقضايا الجزئية، والتفاصيل الهامشية مقارنة مع المهام المسطرة في وثائقه وبرامجه..
كما ان الصراع الذي عرفه المنتدى، رجح كفة أنصار حصر دور المنتدى في لعبه دور اللوبي الضاغط على الدولة لتطبيق توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وجعله ملحقة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الشيء الذي أفقده استقلاليته وربط عجلته بعجلة المجلس الوطني، بحيث أن أعضاء المنتدى العاملين في اللجان المحلية على الصعيد الوطني ولا تمثيليته الرسمية داخل المجلس، غير واضحة ولا محددة، بل الأنكى من ذلك أن وجود المنتدى داخل المجلس هو وجود غير فاعل ولا منتج وفق تصورات الإطار الذي يمثلونه داخله، بحيث اقتصر دورهم في القيام بدور الوساطة بين الضحايا ومصالح المجلس في قضايا جزئية ان لم تكن هامشية وغير مرتبطة بالقضايا الكبرى التي تعمل من اجلها الحركة الحقوقية بشكل عام والمنتدى بشكل خاص
لقد أصبح المنتدى رهينة للمجلس الوطني، بحيث لم يصدر عنه لحد الآن أي موقف في الكثير من القضايا الصادرة عن هذا الأخير والتي تجعله على مسافة معه. وهي قضايا تندرج في صلب المهام المنوطة بالمنتدى، إن الشكل الذي دبر به المنتدى خلال هذه الفترة، جعله يحشر في الزاوية ويفقد الكثير من مقوماته، حيث تعرف فروعه شللا شاملا، وانخرط الكثير منها في اللجان المحلية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وانحسر دوره كملحقة له. كما ظلت أنشطته ذات طابع تكويني تثقيفي بعيدة كل البعد على الملف المطلبي لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كجبر الضرر الفردي، والادماج الاجتماعي، والتسوية الإدارية للمدمجين والتغطية الصحية، والسكن وغيرها من المطالب السياسية المتعلقة بالإصلاح السياسي والدستوري والتشريعي والمؤسساتي، وكذا تدابير عدم التكرار، وغيرها من القضايا التي لازالت عالقة.
تحديات المؤتمر الرابع
إن الوضع الذي يوجد عليه المنتدى الآن وهوعلى أبواب مؤتمره الرابع، الذي يجب أن يكون محطة للتقييم والتقويم لمساره النضالي، ولمساءلة أطروحاته في ضوء المتغيرات التي شهدها المغرب، وواقع حقوق الإنسان في ضوء ما عرفه المغرب من تحولات على اثر الحراك بعد العشرين من فبراير.
فإما أن يمتلك الشجاعة الأدبية والأخلاقية، للوقوف على وضعه المتردي، مع ما يستلزم ذلك بإعادة الروح الكفاحية لهذا الإطار المناضل وفتح المجال أمام كل مناضليه للإنخراط في عملية التحضير لهذه المحطة بروح نقدية تتغيى الانتصار للأسس التي نهض عليها المنتدى، والتي من أجلها عرف الوجود، وضمان استقلاليته على كل ما من شأنه التشويش على موقعه الحقيقي وإعادة بناء الثقة بين المناضلين واطارهم خصوصا بعد استغل الكثير من مناضليه واطره وجودهم داخله والتحقوا بعد ذلك بضفة المخزن.
فالمنتدى ملزم في هذه اللحظة، أن يحين أطروحاته وفق ما عرفته البلاد من مستجدات، وكذا إعادة النظر في الكثير من القضايا التي ظهر قصورها، وكذا جعله إطار لكل الضحايا باختلاف آرائهم وحساسيتهم، لكن بهدف خدمة التصور الاستراتيجي للمنتدى. ومن جملة القضايا التي أصبحت ملحة الآن وبشكل استعجالي، حفاظا على استقلاليته هو التقييم لوجوده داخل مؤسسة رسمية تابعة للدولة والحسم في التردد القائم حاليا بين أعضائه وأجهزته، وذلك بالوقوف عما حققه هذا الوجود من المطالب المرفوعة، وإلى أي حد استطاع المنتدى الحفاظ على استقلاليته، بخلق المسافة الضرورية مع الدولة.
كما أصبحت الضرورة تفرض وتقتضي التفكير في إعادة النظر في العضوية وفتح الباب أمام ضحايا الاعتقالات ما بعد سنة 1999 خاصة ان المغرب عرف في العهد الجديد عودة قوية للاعتقالات وكل اصناف التعذيب والاختطاف داخل المراكز السرية والمحاكمات الصورية والمتابعات وغيرها من القضايا التي تبلورت عبر المتغيرات التي عرفها المغرب.
جوان 2012
المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف
أمام مؤتمر التحديات
بقلم الرفيق الراحل شباري عبد المومن