دور الجمعيات الحقوقية بالخارج في دعم ومساندة النضال الحقوقي بالمغرب: حصيلة وآفاق لاسدوم كنمودج
لآسدوم
يبدو للوهلة الأولى من الصعب تحديد انطلاقة العمل الحقوقي بالخارج خاصة عندما نتداوله بالمفهوم الشمولي (أي لا يقتصر فقط المواثيق المرتبطة بحقوق الهجرة، وكذلك لأننا طرف معني ومتضامن في آن واحد)، ولكن يمكن رصده من خلال حركية التشكيلات الجمعوية والحقوقية والسياسية التي أطرت جل الأنشطة بالخارج، كجمعية الطلبة المسلمين بشمال إفريقيا، وجمعية المغاربة بفرنسا، وجمعية العمال المغاربة بفرنسا، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وجمعية العمال المغاربة بألمانيا، وجمعية العمال المغاربة بهولندا (كمان)، وجمعية العمال المغاربة بإسبانيا (أتيمي)... غير أن مفهوم النضال الحقوقي المحض تصدرته لجن مناهضة القمع بالمغرب وجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، والجمعية المغربية ببلجيكا للدفاع عن حقوق الإنسان، ثم جمعية ك.م.م. بهولندا...كل برامجها لعبت دورا ما في المجال الحقوقي.
غير أن انطلاق التأسيس للنضال الحقوقي بدأ تأطيره في بداية السبعينات، تحديدا فبراير 1972 على خلفية مبادرة التمس تجسيدها اليسار المغربي، حيث استجاب لها مناضلون تقدميون فرنسيون بخلق " لجن مناهضة القمع بالمغرب ". ومن أبرز المؤسسين الفقيد فرانسوا ديلا سودا كونه شغل منصب مدير دار المغرب واحتك باليسار المغربي، ثم إيلزا أسيدون (أخت المناضل سيون أسيدون)، جيلبر موري وبابي وغيرهم. وفي 1975 انظمت كريستين جوفان السرفاتي.
وبسرعة قياسية سوف تتوسع هياكل لجن مناهضة القمع لتضم 15 فرعا بفرنسا وحدها، وفرع سويسرا وهولندا و3 فروع ببلجيكا وفرع برشلونة بإسبانيا.
وسائل العمل: عملت " لجن مناهضة القمع بالمغرب "تشكيل لجن قانونية تعني بدراسة الأحكام على ضوء المنظومة الكونية لحقوق الإنسان (حرية الرأي، أوضاع المعتقلين، المتابعة الطبية في فترة الإضرابات عن الطعام، الدعم المادي لتعزيز صمودهم، التعريف بأوضاع المعتقلين وبكتاباتهم لدى الرأي العام مع تشجيع مراسلتهم...)
وقد أوضحت الأرضية التأسيسية مضمون الدعم الذي طالب به المناضلون المغاربة في نقطتين جوهريتين على اعتباره لا ينحصر فقط في العمل الإنساني، بل يندرج في إطار أشمل هو النضال العام ضد القمع في المغرب، والنقطة الثانية تندرج في سياق أن النضال في الخارج لمناهضة القمع لا ينفصل عن النضال ضد الامبريالية الفرنسية ونظام التبعية بالمغرب.
هنا تجدر الإشارة لتطور أرضية لجن مناهضة القمع في المغرب عدة مرات، وتم تحديد اختصاصات عملها انطلاقا من أرضية التأسيس على الشكل التالي:
ـ الدفاع عن ضحايا القمع السياسي،
ـ الدعم النضالي للقوى الثورية في المغرب،
ـ مساندة نضال القوى التقدمية والثورية في نضالها ضد الإمبريالية الفرنسية خاصة)
ورسخت منطلقاتها هذه في:
ـ توجيه عمل اللجن إلى تكثيف الحملات الإعلامية لفضح القمع والتعريف بنضالات الشعب المغربي،
ـ إرسال بعثات قانونية،
ـ مساندة العمال والطلبة المغاربة الذين يتعرضون للاستغلال وكل أنواع المضايقات والتسريحات.
ابتداء من سنة 1975، وظهور النزاع في الصحراء ستتعرض هذه الأرضية لعدة مراجعات لتتأقلم شيئا فشيئا مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان بتفاعل أكبر مع واقع القمع في المغرب، لتتوجه أكثر للهيئات الأممية.
إلى جانب حضورها في المحافل الدولية للضغط على النظام وفضح طبيعته، أو من خلال البعثات والدعم، عززت اللجن عملها بإصدار نشراتها بشكل منتظم، وقامت بطبع كتب للشهيدة سعيدة لمنبهي، حول انتفاضة يونيو 1981 وكتاب رحال عبارة عن رسوم من داخل زنازين التعذيب.
بعد انتفاضة 1981 بدأت فكرة الانتقال من وضع مناضلين يطلبون المساندة والوقوف بجانب الشعب المغربي ضد آلة القمع ومناهضته للإمبريالية والنظام التبعي بالمغرب، إلى طرف فاعل يخوض معركته الحقوقية بنفسه؛ وبدأت فكرة تأسيس جمعية مغربية حقوقية تشق طريقها. انطلقت عملية التشاور، بمبادرة من منظمة إلى الأمام، بين جميع الأطياف السياسية، استقبلت مبدئيا بالترحاب عدا حزب التقدم والاشتراكية الذي اعتبر خلق جمعية مغربية ستعمل على إضعاف موقف المغرب من قضية الصحراء، ومنظمة العمل التي كانت تحبذ الاقتصار على خلق لجنة مصغرة لمتابعة الوضع الحقوقي بالمغرب.
وبعد انتفاضة 1984 والإضراب اللا محدود لمجموعة مراكش، ستعرف سنة 1984 خلق جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في المغرب. ارتكز التوافق بين مكوناتها على ثلاث نقط مركزية:
ـ الاعتماد على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان،
ـ عدم إقحام القضايا السياسية داخل الجمعية،
ـ وأخيرا اتخاذ القرارات بالإجماع.
لم تعرف" لاسدوم" بابا إلا وطرقته لمناهضة خرق الحريات العامة في أوجهها المتعددة. ساهمت لاسدوم عبر التقارير المقدمة للبرلمان الأوروبي أو بمجلس حقوق الإنسان بنيويورك أو جنيف بالكشف عن الواقع المزري لحقوق الإنسان ببلادنا، توج هذا العمل بإدانة المغرب تسع مرات من طرف البرلمان الأوروبي. كما كانت دوما مصدرا ذو مصداقية للجمعيات التي تشتغل معها أو مد المؤلفين بمعطيات راهنة كالكاتب كجيل بيرو في تأليف كتاب" صديقنا الملك"، وجمعية "فرنسا ـ الحرية" للسيدة دانيال ميتران.
وتم استدعاء لاسدوم لنيويورك لتقديم تقريرها الحقوقي أمام اللجنة الخاصة للأمم المتحدة. وكانت لاسدوم السباقة لطرح العفو التشريعي سنة 1989 الذي لقي ترحابا وآذانا صاغية، بواسطة ورقة تقديمية للجمعية في لقاء أميان حضرته كل الفعاليات من بينها اليازغي عن الإ ش ٌق ش. وساندت لاسدوم الورقة المقدمة في لقاء خاص جمع السيد عبد الرحمان اليوسفي، قبيل تعيينه على رأس حكومة التناوب، في شقين: مطالب حول الهجرة ومطالب ديمقراطية داخل المغرب.
وساهمت لاسدوم في لجن خاصة (لجنة إطلاق سراح الأموي، لجنة عودة ابراهام السرفاتي...) أو في خلق لجن تنسيقية مع عدة جمعيات مغربية كلجنة الحقيقة. بالإضافة إلى حضورها الإعلامي، وإصدار تقارير سنوية ونشرات دورية (رسالة لاسدوم)، والقيام بإضرابات عن الطعام تضامنية، وهنا يلزم التذكير بحملة من أجل تبني ملفات المعتقلين السياسيين... كما يجب التنويه بالعمل المشترك إلى جانب جمعيات أخرى
AMF,APADM,ATMF,ACAT, Amnesty,LDH
وتساهم الجمعية بشكل مشترك في فاتح ماي أو في الوقفة أمام مقهى "ليب"(مكان اختطاف الشهيد المهدي بن بركة) كل 29 أكتوبر من كل سنة، أو إصدار تقريرها السنوي بالإضافة لإصدار بيانات وتقارير مشتركة موجة للرأي العام أو للمؤسسات الأوربية ذات الصلة.
وكان في خلق الجمعية المغربية ببلجيكا لحقوق الإنسان تزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الانسان في 10 دجنبر دعامة للحركة الحقوقية بالخارج 1990. ومنذ انطلاقتها قامت الجمعية بعدة أنشطة تنويرية تضمنت مناظرات دراسية ومهرجانات تضامنية ركزت بالأساس على الوضع في المغرب دون إغفال الوضعية الحقوقية للمغاربة القاطنين ببلجيكا...وباختصار شديد هذه بعض المحطات النضالية:
1. أول نشاط للجمعية كان مناظرة حول حقوق المرأة المغربية في الداخل والخارج في 1991 بحضور عدة محاضرات من المغرب.
2 . مهرجان خطابي كبير لمساندة ابراهام السرفاتي والمعتقلين السياسيين 1992..
3. بعد العفو الملكي وفي نفس السنة تحديدا في دجنبر 1994 نظمت الجمعية مناظرة كبرى حول آفاق حقوق الإنسان بالمغرب بعد ما سمي بالانفراج السياسي آنذاك وقد شاركت الجمعيتان الحقوقيتان، حيث مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان النقيب عبد الرحمان
بن عمرو، فيما مثل الأستاذ عبد العزيز بناني المنظمة، والفقيد عبد المجيد بوزوبع عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
وقد ساهمت الجمعية المغربية ببلجيكا لحقوق الإنسان خلال سنة 2004 في تأسيس لجنة الحقيقة إلى جانب لآسدوم ولابادام وغيرهما.
كما يجب التذكير بما كل ما قامت به الك.م.م. بهولندا في المجال الحقوقي.
ويجب التذكير بخلق فروع جديدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان عززت صفوف الهيئات المتواجدة.
ويجب الإشارة إلى توافد اللاجئين خاصة مجال الحريات الفردية (حوالي 24 طالب لجوء سنة 2020)، إلا أن ملف الاعتقال السياسي أصبح يأخذ الحيز الأكبر نظرا لتغول الدولة في المغرب وعدم احترام التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. لذلك بادرت لاسدوم كعضو مؤسس وفاعل بخلق " لجنة التضامن مع المعتقلين بفرنسا" المشكلة من عدة شخصيات منتمية وغير منتمية لهيئات أخرى قامت بعدة مبادرات من تتبع المحاكمات وتبليغ الرأي العام التضييق والمحاكمات الصورية الذي يتعرض لها مناضلون وصحفيون. كما نظمت وقفات أمام البرلمان الأوروبي بستراسبورغ. وأصدرت عدة بيانات كل ما دعت الضرورة لذلك.
ورغم تصاعد الانتهاكات، خاصة بعد أحداث الريف وغيرها، تستمر لآسدوم في القيام بمسؤولياتها في الاشتغال إلى جانب تنسيقيات أخرى بصفة دائمة كالتنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان، أو بصفة ظرفية. فالوضع الحالي اليوم كارثي بسبب تنامي العنصرية، والإجراءات الارتجالية والمجحفة في ظرفية كورونا لم تنج منها حتى الأموات التي لا زالت تنتظر موطنا لدفنها في المغرب، إضافة للتضييق على شروط الإقامة، وتفاقم الاستغلال والتسريحات مع قلة فرص العمل، والإجهاز على حقوق المتقاعدين، الشيء الذي يتطلب المزيد من النضال والتعبئة حتى يتسنى للحركة الحقوقية الاضطلاع أكثر بمسؤولياتها.