مفهوم الصراع الطبقي في ظل النظام الرأسمالي
ليس نمط الإنتاج الرأسمالي نمطا للإنتاج يتميز بالاستغلال فقط ، بل هو أيضا نمط للتدمير الرأسمالي ، ذلك أن " الإنتاج الرأسمالي يطور تقنية ومزيج من عملية الإنتاج الاجتماعي من خلال تدمير المصادر الحية لكل ثروة: الأرض والعامل" ، انطلاقا من هذا التحليل يتصور ماركس أن الرأسمالية ليست نظاما للاستغلال فقط، بل أيضا كعملية للتدمير، مما يمكن استنتاجه هو أن الراسمالية تفرز تناقضين متميزين، ومتأصلين في الرأسمالية، من ناحية التناقض( المعروف) بين رأس المال والعمل، الذي ينتج عن فائض العمل الذي يستنزفه مالك وسائل الإنتاج من الأجير، ومن ناحية أخرى ، التناقض بين رأس المال والمجتمع ككل، والذي ينتج عن حقيقة أن منطق الربح يفرض نفسه بطريقة مطلقة وعمياء.
يأتي التدمير من التراكم البدائي باعتباره ظاهرة هيكلية دائمة للرأسمالية ، من هنا تدعونا روزا لوكسمبورغ ثم ديفيد هارفي وفرايزر وفيديريسي إلى التفكير في الرأسمالية كظاهرة ثنائية الأبعاد، تتميز بالاستغلال والسلب.
من بين الخلاصات السياسية التي تحاول تفسير محددات الصراع الطبقي : اختزا ل الصراع الطبقي فقط في طابعه الاقتصادي ، وتتجاهل عن عمد التناقض الثاني ، وإن كانت تعترف بأهميته، لكنها تضعه في مرتبة ثانية ، إذ تضفي طابعا دونيا على النضالات ضد نمط التدمير الرأسمالي، في الوقت الذي تضفي طابعا متقدما على النضالات ضد نمط الإنتاج الرأسمالي.
إن الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي يعاني منه اليسار الراديكالي هو أنه لا يتعامل مع النظام الرأسمالي ككل متمايز، حيث تعبر دينامية الصراع الطبقي على تجادب عملية الإنتاج مع عملية التراكم في اتجاهين متعاكسين، فالرأسمالية كسيرورة للإنتاج تسعى للحفاظ على ذاتها كنظام اجتماعي مؤسسي، وبالتالي تسعى إلى خلق التوازن والتسويات مع المجتمع والمكونات غير الاقتصادية التي تشكله، في حين أنها كسيرورة للتراكم ، لا يتم دفعها فقط إلى الإفراط في استغلال الموارد البشرية والطبيعة، ولكن أيضا لتدمير علاقات التكيف غير الاقتصادية( العلاقات العاطفية، والتعليمية، والروابط مع الطبيعة...) التي هي كلها بؤر لمقاومة التسليع، ولذلك فإن المبالغة في تثمين التناقض الأول سيؤدي إلى احتقارالأهمية الحاسمة للتناقض الثاني الذي يميل إلى استغلال القوى الحية غير اقتصادية، وعملية التراكم التي تميل إلى تدميرها.
إن النظر إلى النظام الرأسمالي بهذا التحديد ، تعقد بشدة قواعد النضالات بين أولئك الذين يقاتلون على الأرض الاقتصادية من أجل حماية وظائفهم وأجورهم ، وأولئك الذين يحاولون مقاومة التدمير" الإنتاجي لتكييف العلاقات والبيئات المعيشية.
لأجل كل ذلك فالصراع الطبقي هو سيرورات لديناميكيات متعددة، تتناوب من خلالها النضالات ضد التسليع وعدم التسليع، النضالات ضد دائرة الإنتاج ودائرة إعادة الإنتاج، النضالات ضد تدهور الطبيعة ومن إجل سياسات عمومية مساواتية و ضد الاستبداد ومن أجل العدالة الاجتماعية والحقوق الثقافية وضد التمييز ضد النساء. تبقى عمليات صهر كل هذه النضالات من مسؤولية التنظيمات اليسارية التي تسعى إلى إلغاء الاستغلال والاضطهاد والاستلاب والقمع من المجتمع.