نظرية الاغتراب وتفسيرها
تنبثق فكرة التوسع التقني للجسد، من خلال خطوط سكة الحديد المصممة مثل أعضاء الدماغ، هي فكرة أبعد من نموذج العمل الحرفي لتقرير تطور مفاهيم ماركس حول الاغتراب الإنساني وقيمة العمل.
الوعي البشري هو الذي يميل ، بواسطة العمل، إلى إظهار نفسه في الخارج مجسما في موضوع طبيعي لكي يجد في الشيئ الذي يحوله من خلال عمله انعكاسا لقيمته الخاصة. تستند نظرية الاغتراب بأكملها على هذه النظرية المعممة لقيمة العمل. ومع ذلك ، تميل نظرية الاغتراب أيضا إلى الافتراض المسبق بأن هناك مجموعة من الأنشطة الأساسية للإنسان، وعلى رأسها العمل. وإذ يوفر العمل ما هو ضروري للعيش، فهو يوفر أيضا عددا من الإمكانيات البشرية الأساسية؛ والعمل يربطنا بالكائنات العامة الأخرى، مما يجعل كياننا العام فعالا.
لقد استندت الجهود التي بذلت في العقود الأخيرة لتجاوز فكر ماركس الشاب، إلى عدة حجج، أولها يتمثل في الإشارة إلى الطابع التأملي الذي لا أساس له من الصحة لنظرية عمل القيمة نفسها. قدم في هذا السياق ألتوسير نقدا قويا لماركس الشاب الذي ظل متأثرا بفيورباخ، مما جعل من الضروري استبدال وصف القدرات والاحتياجات الأساسيةللإنسان(المكون للأنتربولوجية الفلسفية) بالتحليل البنيوي للإيديولوجيا.
في إحدى مقالاته الأولى " الماركسية والإنسانية" يقترح ألتوسير أطروحة ماركس المركزية مخطوطات 1844.
الماركسية والإنسانية
في مستهل مقالته يقول ألتوسير: " الشيوعيةهي التملك الحقيقي للجوهر الإنساني، من الإنسان ولأجل الإنسان[...] هذه الشيوعية باعتبارها طبيعانية محققة التي هي= الإنسانية" يعارض ألتوسير المفهوم الإيديولوجي للإنسان مقابل التحليل العلمي ، أي التحليل البنيوي الذي يشرح كيفية عمل الرأسمالية لإنتاج الموضوع.ينتقد النزعة الإنسانية الفيورباخية لماركس الشاب لإيجاد مشروعها النقدي على فكرة أن الواقع الاجتماعي الناتج عن أطر الاقتصاد السياسي، يتناقض مع جوهر الإنسان.تكمن هذه الفكرة في أنها يجب أن تفترض مسبقا ماهية جوهر الإنسان من أجل إظهار كيف ينتج الواقع الحالي واقعا منفردا. وفقا لهذا النموذج ، يجب فهم الاغتراب على أنه تناقض يجب حله، هكذا يكتب ألتوسير:" التاريخ هو اغتراب العقل وإنتاج بشكل غير معقول للإنسان الحقيقي في الإنسان المستلب.في المنتجات الفرديةلعمله(السلع، الدولة، الدين)يدرك الإنسان، دون أن يعرف ذلك، تجسيد جوهر الإنسان.هذه الخسارة للإنسان التي تنتج التاريخ والإنسان، تفترض وجود جوهر مجرد مسبقا.في نهاية التاريخ، هذا الإنسان يصبح تموضغا غير إنساني، سيتحتم عليه أن يستعيد ذاته المغاربة في الملكية والدين والدولة، ليصبح إنسانا كاملا.إنسانا حقيقيا"
يشير ألتوسير عن حق إلى أن اللجوء إلى الطبيعة البشرية كأساس للتنظيم السياسي والنظرية السياسية، يعني ضمنيا قبول الإنسانية النظرية دون أي أساس. من هو هذا الإنسان في قلب التنظيم الاجتماعي للاقتصاد السياسي؟
مساهمة ألتوسير العظيمة هي ملاحظة أن هذا الإنسان نفسه ليس سوى نتاج هذا الاقتصاد وأنه أصبح مفهوم فقط من خلال الهياكل الاجتماعية التي تشكله.على عكس نزعته الإنسانية الشابة، جاء ماركس وفقا لألتوسير،" متحررا من النزعة النظرية الإنسانية بعد إجراء تحليل يستند للمارسة البشرية، وتخلص من الطابع antropocentrisme ، في الوقت الذي انصب اهتمامه على الأبعاد الأخرى النوعية من النشاط البشري ( الممارسة الاقتصادية ،والسياسية والإيديولوجية) من خلال تمفصلها الخاص لوحدة المجتمع الإنساني".
التوسير وإيديولوجية الاستجواب
تتابع الفيلسوفة جوديت قراءتها للمخطوطات الاقتصادية- الفلسفية ل1844، استنادا إلى قراءة ألتوسير لها، عندما قدم حججا كثيرة لدحض مفهوم" الجوهر الإنساني" .
إن الإنسان أو البشرية عموما محددين بالعامل الاقتصادي في نهاية المطاف، من خلال الممارسة في كل مستوى من مستويات البنية الاجتماعية، إذ يجب أن ترتبط الممارسة بهيكل اجتماعي وليس بفكرة جوهر الإنسان التي تتجاهل القوة الكامنة للبنى الاجتماعية.بالنسبة لألتوسير، لا ينبغي إجراء أي تحليل للعمل البشري بشكل مستقل عن النظر في البنية الاجتماعية، باتباع هذه المنهجية، يصبح الانتقال من التحليل الإيديولوجي إلى التحليل العلمي ممكنا، فالإنسانية وجميع الافتراضات المرتبطة بها،هي إديولوجية. الإديولوجيا هي نفسها ليست اختراعات" الوعي" ،لكنها جزء لا يتجزأ من بنية المجتمعات.تنبع نظرية الاستجواب الألتوسيرية من هذه الأطروحة: يتم إنتاج الموضوعات من قبل المجتمعات بطريقة تعيد إنتاج، أو تهدف إلى إعادة إنتاج هياكل المجتمع، ومع ذلك لا ينبغي، فهم الإيديولوجيات على أنها أدوات بحثة. تمثل العلاقة الخيالية للأفراد بالوجود الاجتماعي .
لقد تصور ألتوسير إنسانية ماركس الشاب كإيديولوجيا، أي أنها علاقة خيالية بظروف الوجود، وأنها لا تتمتع بمكان العلوم. هذه الإنسانية لا تخبرنا شيئا عن جوهر الإنسان، فالحديث عن جوهر الإنسان يعني تجاهل البنى الاجتماعية وعلاقتها التخييلية بشروط الوجود. إن التحول في تاريخ هذه الظروف يحمل معه تحول العلاقة الخيالية مع هذه الظروف.تتغير هذه الشروط بمرور الوقت ، فهي، بحكم التعريف، تخضع للتحول وينطبق الشيئ نفسه على العلاقة الوهمية لهذه الشروط. وبالتالي فإن السؤال" ما هو الإنسان" أو" ماهو ضروري للإنسان" هو سؤال خاص بالإيديولوجيا الفلسفية في نسختها الإنسانية، يصبح " ما هي العلاقة الخيالية بشروط الوجود" الذي يقودنا إلى فهم محدد ومعقد للموضوع. وبالعودة آلى التحليل النفسي والتاريخ، نكشف عن مسار رائع، لكن نلاحظ اليوم أن القلق من الاغتراب اليوم، يتم استبداله بالاهتمام بالإيديولوجيا إلى حد ما. أصبح الاغتراب مميزا بمفاهيمه الإنسانية لدرجة أن معظم المثقفين اليساريين أهملوا السؤال لعدة عقود.