قراءة في كتاب: قراءتان لماركس الشاب للفيلسوفة Judith bulter
صدر هذا الكتاب سنة 2019 عن دار نشر Les Éditions sociales
تعالج في هذا الكتاب قضيتين مركزيتين: الأولى تتعلق بالمنظور الإيكولوجي لماركس بالتركيز على أطروحته "الجسم غير عضوي" منطلقة من الفرضية المقبولة عموما التي تقول بأن ماركس كان antropocentrique،(أي مركزا على الإنسان)وذلك في النصوص الفلسفية لماركس الشاب خصوصا في المخطوطات الاقتصادية- الفلسفية ل 1844، و الثانية حول مقال" من أجل نقد بدون هوادة لكل ماهو موجود" الذي نشره في الحوليات الألمانية و هو في الأصل عبارة عن رسالة موجهة إلىArnold Ruge بصفته شاب هيغيلي سنة 1843، يستهدف من خلاله ماركس القيام بمشروع انقلاب في النظر الفلسفي ونقد جذري لكل ماهو قائم كنظام اجتماعي، مؤطر بمؤسسات عبر التاريخ.
في الجزء الأول من الكتاب تدرس جوديت بتلر العلاقة بين البشر والطبيعة، وتسأل على وجه الخصوص إلى أي مدى يمكن اعتبار ماركس الشاب متمركز حول الإنسان، وفي هذا السياق تركز على مقطع غامض للغاية من هذه المخطوطات حيث ورد ذكر الطبيعة على أنها " الجسم غير عضوي" للإنسان، والتي تعتبرها مدعاة للدهشة، مستوحية جزء من إجابتها من المناقشات التي أجريت في السبعينيات والثمانينيات من قبل الأكاديمين البريطانيين، ولا سيما جون كلارك،الذي كان هدفه تحديد ما إذا كانت أطروحات ماركس متوافقة مع الاعتبارات الأيكولوجية، مما أدى إلى التساؤل حول الطريقة الأفضل لفهم نظرية ماركس عن الطبيعة، وهي في بحثها عن جواب مقنع لفرضيتها لا تريد العودة إلى النتائج المهمة التي تمخضت عن دراسة كتاباته الأخيرة ، خاصة في grundrisseأو في رأسمال والتي تتعارض مع الأعمال السابقة لماركس حول نظرية الاغتراب، وفي موضوع النظام التأملي البحث، بقدر ما تطمح إلى إعادة بناء نظريةالقيمة- العمل، من أجل فهم العمل والجسد في العمل والإنسان وعلاقته بالطبيعة ومختلف صيرورات الحياة.
إذا كانت الطبيعة تشكل بطريقة ما " الجسم غير العضوي" للإنسان، فهناك نوع آخر من العلاقة، حيث لم يعد الجسد البشري متميزا بشكل واضح. في الواقع حدوده غير معروفة تماما،ولا يمكن أن تكون كذلك، إذا كان بالفعل هناك جسد غير عضوي للإنسان، وإذا كان هذا الجسد هو كل الطبيعة، فإن جسم الإنسان يمتد إلى كل الطبيعة، أو، على العكس، كل الطبيعة تشمل الجسم البشري.إن الطريقة التي نفكر فيها في هذه العلاقة حاسمة في الإجابة على السؤال التالي: هل تدافع المخطوطات المبكرة حقا عن مفهوم أنثروبوسنتري أم يمكننا أن نجد فيها نقدا لمركزية الإنسان تم تجاهله إلى حد كبير حتى الآن؟
يبدو أن الجواب على تعريف الطبيعة على أنها " جسم غير عضوي" غامض جزئيا لأن المصطلح يشير إلى الجسم في صيغة المفرد، مما يوحي بأنه بطريقة ما يشكل وحدة، على الرغم من أنه متميز في بنيته الداخلية، لكن التساؤل الحاسم هو لماذا يجب أن تسمى الطبيعة " غير عضوية" بدلا من" عضوية" ، ولفهم الفرق بين عضوي وغير عضوي يجب الاستناد إلى تصور ماركس. هذا الأخير يعتبر" الطبيعة هي الجسد غير العضوي للإنسان" .لقد انشغل عدد كثير من المنظرين الماركسيين البريطانيين على الخصوص بالتساؤل عما إذا كانت أفكار ماركس متوافقة مع الفكر الأيكولوجي، وقد تساءل البعض إن كانت أطروحة " الطبيعة هي الجسد غير العضوي للإنسان" هي بمثابة أطروحة أيكولوجية، وطرحوا هل يعتبر تصرف البشربشكل طبيعي يشارك عضويا في الطبيعة؟ ثم هل نشاط الإنسان منذ البداية هو نشاط طبيعي، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تجاوز التمييز الجذري بين الفعل البشري والعملية الطبيعية؟ يلاحظ جون كلارك أن ماركس صنع قاطرات وقطارات تتبع"أعضاء الدماغ البشري" ذلك أن المؤسسات البشرية تتطور من الأفكار التي تنشأ من الوعي البشري، ولكن هذه المؤسسات تنبع أيضا من الجزء العضوي للدماغ، لأنه بدون دماغ لم تكن الأفكار موجودة، ثم أن العضو ليس فقط شرط إمكانية العقل، بل يولد اختراعات بشرية مثل القاطرات والسكك الحديدية، لذلك يتوجب فهم أن هذه الأشياء لا ينتجها الدماغ/ العقل فحسب، بل هي أعضاء في الدماغ البشري، كما أنه ليس حصريا في الدماغ؛ إنه أيضا في التعبير أو في العمل نفسه. تشير أيضا كارولين ميرشانت إلى أن مصطلح " عضوي" في القرن السابع عشر يعني أعضاء الجسم وبنياته، فضلا عن التنظيم الجسدي للكائنات الحية، ومصطلح "غير عضوي" يعني عدم وجود أعضاء الجسم.بعد هذا التمييز سيبدو الإنسان عضويا، والطبيعة الخارجية غير عضوية. لكن في ماركس يشير أحد معاني مصطلح" غير عضوي" إلى امتدادالجسم البشري وأنشطته عن طريق الأدوات، وبالتالي الزيادة التقنية للقوى من الجسم، ورغم ذلك لا تكفي الفروق لاستعادة الخلفية الهيغيليةلتمييز ماركس، حسب جون بيلاقي فوستر وبول بوركيت.يوضح هذا التفسير الأخير على تملك الطبيعة من أجل توسيع السلطات البشرية. توضح أكثر بتلر أن التمييز بين الأجسام العضوية والأجسام غير عضوية هو تمييز نسبي، ويتغير اعتمادا على كيفية فهم المرء للعلاقة بين العمل ووسائل العيش.
إن ماركس يفتح طريقا آخر لرؤية العمل الذي ليس لا إنسانيا على الخصوص، ولا مدركا بصفته نموذجا للسيطرة