أرعبتهم شهيدة كما أرعبتهم في حياتها
معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
الجريمة النكراء لقوات االحتالل اإلسرائيلي في االعتداء السافر على موكب تشييع جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، تحمل في طياتها العديد من المعاني والعبر. أتى استشهاد شيرين في ظرف سياسي معين، تحاول فيه قوات االحتالل أن تشيطن مخيم جنين في أعين حلفائها، مما يتيح لها استباحته بالنار والحديد وكل أشكال البطش واالضطهاد. فجاءت شيرين لتغطي ً على ج ارئم االحتالل ضد أبناء المخيم، ولتؤكد أن ما يدور في جريمة االقتحام، وليكون العالم شاهدا األرض الفلسطينية، هي حرب استقالل مشروعة، يخوضها الشعب الفلسطيني، مستندا بت ة ً إلى حقوقه الثا في أرضه، كما تكلفها له القوانين الدولية. جاءت جريمة اغتيالها على يد قوات االحتالل من أجل إخراس هذا الصوت الذي نجح في عشرات بل مئات المرات في إدانة ممارسات االحتالل بالصوت والصورة. قوات االحتالل اغتالت شيرين عن سابق إصرار وتصميم، من أجل إطفاء النور الذي تسلطه الصحافة الفلسطينية على جرائم حكومات إسرائيل، وبالتالي فإن االغتيال كان تعبي ار ن حقد وكراهية. ً ع وكما أرعبت شيرين قوات االحتالل بصوتها وشجاعتها وهي تمارس مهنتها المقدسة، وتؤدي دورها النضالي، أرعبت جيش االحتالل ومنظومته األمنية وهي شهيدة. لذلك و ضعت قيادة العدو خططها ألجل إحباط مسيرات تشييع شيرين، وزرعت الحواجز في طريقها، حتى أنها لم تتردد في »اعتقالها وخطفها« شهيدة، وهي تغادر المستشفى الفرنسي في القدس، لتنتقل إلى الكنيسة الكاثوليكية لتؤدي صالتها األخيرة، ً أن رحيلها عنا ال يعني أنها غادرتنا، فهي باتت صالة الوداع لمهنتها ورفاقها وإخوانها وشعبها، علما نجمة القدس، ونجمة فلسطين، إلى جانب آالف النجوم التي زينت سماءنا بأنوار الشهداء. وعندما ترتعب ً لفلسطين، التي ً آخر ا قوات االحتالل من جثمان شهيدة مسجاة في نعش خشبي، إنما ألنها شكلت عنوانا توحدت مرة أخرى، تحت اسم آخر، هو شيرين، في أنحاء الضفة والقلب منها القدس، وفي الـ48 ،وفي الشتات، وفي كل أنحاء العالم، حيث رفعت صور شيرين تزينها أعالم فلسطين، وشعار لن يسقط في ً ة فينا ولن تموت«، فالثوار كما قال أبطال الثورة في كوبا، ال يموتون، بل يظلون أحياء ّ »شيرين حي وجدان شعوبهم. 2 أثبتت الجريمة مدى وقاحة إسرائيل، ومدى استهتارها بالرأي العام العالمي، إذ رغم أن الكرة األرضية بشعوبها، وحكوماتها، ومؤسساتها اإلسالمية والقانونية، اإلقليمية والدولية، أدانت الجريمة، وحملت إسرائيل )المجرم القاتل( مسؤولية هذه الجريمة، ودعتها إلى االعتراف بهذه المسؤ ولية أمام ال أري العام دون مواربة، رغم هذا كله لم تخجل إس ارئيل )وهي أصالً ال تخجل( من التطاو ل على الجنازة، وحرمتها، والتطاول على المشيعيين، وتحويل المكان المحيط بالمستشفى الفرنسي إلى ساحة معركة غير مت كافئة، نجح فيها الفلسطينيون بإ اردتهم الصلبة في التصدي لقو ات االحتالل وشعارهم )الموت وال المذلة(، وهم في الرد، على جريمة االغتيال، وعلى جريمة االعتداء على الجنازة، لن يتأخر وا، وأن إسرائيل ستدفع على الدوام الثمن الغالي الحتاللها األرض الفلسطينية، والعتدائها على شعب فلسطين ومقدسات فلسطين وحرمة أراضي وأجواء فلسطين. وال داعي للتأكيد أن قوات االحتالل تقف اآلن في حالة تأهب ومعها كل المنظومة األمنية اإلسرائيلية، تخوفا من رد الفعل الفلسطيني، ولكن و على الدوام، تدرك إسرائيل أن الرد على جرائمها كان يأتيها من ً حيث لم تكن تتوقع. ًر؛ إسرائيل دولة فاشية، أكدت أنها ال تأبه للرأي العام العالمي، وأنها ال تقيم لهذا الرأي وأخيرا وليس آخ ا ً على التهرب منها، تحميها سياسة أميركية ً وزنا، وأنها ال تنصاع إلى الضغوط الدولية، بل تعمل دوما ً باالدعاء أن من حق إسرائيل )دولة االحتالل والعدوان( منحاز ة، توفر لها كل أشكال الدفاع عنها، ودوما أن تدافع عن نفسها. إسرائيل ال تفهم لغة الحوار، ال تفهم إال لغة القوة. وتجربة الشعب الفلسطيني في هذا المجال غنية، وعلينا أن ال نستهتر بهذه التجربة، وعلينا أن نفيها حقها، بحيث يقتنع من ال يريد أن يقتنع أن الشعب الفلسطيني لم يعد بإمكانه أن يصبر طويالً على االضطهاد اإلس ارئيلي، ونحن نقف أمام ذكرى النكبة الوطنية الكبرى. قال عبد الناصر: »ما أ سترد إال بالقوة«. خذ بالقوة ال ي حكمة الرئيس الراحل الكبير جمال عبد الناصر هي الحكمة التي صاغتها شعوب األرض المضطهدة بدمائها الغالية، وشعب فلسطين واحد من هذه الشعوب، وقد ترجم ذلك بمقاومته الباسلة