عن مسلسل المكتوب
على غير العادة، تابعت سلسلة المكتوب هذه السنة لأن أفرادا من عائلتي، تكلموا عن هذا العمل في لقاءات خلال شهر رمضان، فقررت أن أشاهده، لما ترك من صدى، سبق وأن حدث خلال بث مسلسل سلامات أبو البنات.
في البداية من سأتحدث عنهم هم ممثلون متميزون جدا، حضرتُ أعمال لهم على المسرح والسينما، ولاحظت أن لديهم من الكفاءة والمهنية ما يكفي ليحملوا أعمالًا على أكتافهم، بإبداع ومهنية، وأن تطرقي لهم سيكون من باب هذا الاعتبار .
قبل ما نهضرو على أداء الممثلين، خاصنا نهضرو على العمل " مكتوبا"، وعن المؤلف، والنص والحوار وأبعاد الشخصيات داخل المسلسل، وأول ملاحظة يلتقطها المشاهد، هي أن السيناريو لم يتوفق في هذا الأمر، أي أن الحالة النفسية لهذه الشخصيات لم تكن محط تدقيق وتمحيص من طرف المؤلفة، بحيث أنه كان لكل من أبطاله حالة نفسية ظهروا بها منذ بداية المسلسل إلى نهايته، فمثلا عندما نناقش دور الباتول أو سليمة، سنصطدم بشخصيتين عصابيتين ومحاطتان بشر مطلق، وأنه إذا حدث وأصبحتا لطيفتين في مشهد ما، فلذلك معنى مرتبط بمصالحهما داخل العائلة، والإطلاق في أداء دور تليفزيوني يُسقط الممثل في ال “over acting “، بمعنى أكثر وضوحا، الممثلة سلوى زرهان "سليمة" بدت منذ الحلقة الاولى إلى آخر المسلسل، بطباع حادة جدا مع جميع أفراد العائلة ومع زوجها أكثر حدية، وأن الباتول، تجاوز شرها هدف ومقام دورها في المسلسل الذي لم يُفهم سببه حتى عند نهايته. ففي الوقت الذي يجب أن يكون للشخصيات أبعاد نفسية تخلق توازنا لها خلال العلاج المنطقي والواقعي للتجسيد والكتابة، نجد أنفسنا أمام حالات مرضية، وأزمنة أو كرونولوجيا غامضة لتسلسل الأحداث، بحيث أن " l’ellipse” تقريبا توجيه شبه منعدم لربط الفوارق الزمنية في العمل، علاوة على أنه يمكنك أن تصادف مشاهد ليلية في حلقة واحدة خلال الحكي عن وضعيات مختلفة وأحداث مختلفة، لكن لا يؤطرها سياق زمني معين، إلا إذا أعلن عنه حوار أحد الممثلين.
عبر أيضا تجسيد هند بنجبارة لدور بنت الشيخة عن قطيعة مطلقة بين البيئة التي ترعرت فيها وبين تواجدها بالصدفة داخل بيت برجوازي مغربي، وهنا حوار هند كان شرخا منطقيا في المسلسل، بالمقارنة بابنة شخصية تؤدي أهازيج شعبية وتكسب قوتها اليومي منها، فمثلا لم نر هند تغني مع أمها في لحظات حميمة، سواء فرحا أم حزنا.
من بين مظاهر ضعف “la bible “، وهي المرحلة التركيبية لأي عمل سينمائي، في نحت الشخصيات، والأكثر حساسية فيه، بدا الممثل المتمكن أمين الناجي، مقيدا كزملائه بإيماءات وتجسيد “monotone”، وحصره النص في كونه رجل بلا حياة، شغله الشاغل شركته وفروعها، في غير وجود هوايات ولا أصدقاء، فيما حميد، شخصية مفضوحة ظاهريا بحيث يظهر أن لها رغبة جامحة في التسلق والاستغلال، لكن من الناحية السيناريستية، يبقى شخص غامض، لا يعرف أي منا من أين أتى وأي بيئة تربى فيها، وأن من فضح حميد هو الحوار ، الذي يظهر بأنه يعود لشخص، ينتمي لبيئة غير تلك التي أتى إليها بعد زواجه من سليمة، أي أن لكنة حميد، لا تشبه الطريقة التي يتكلم بها المعطاوي وعائلته، هذا وقد أبان أيوب كريطع عن موهبته النادرة...
في الأدوار الثانوية، فاجئتني الممثلة سكينة دارابيل، مديرة فيلا المعطاوي، شخصية تماهت مع مشاعر الخير والشر بمهنية، ومع الضغط والقلق بإيماءات طبيعية خلال تجسيدها للدور، وكان لأيوب أبو النصر مساحة أكبر في التعبير عن نموذج ولد الحومة الذي أحب امرأة، منعه من الاستمرار معها سمعة أمها التي ستلاحقه كاللعنة طيلة حياته.
إنه لمن الضروري أن نعرج نحو أداء دنيا بوطازوت، الذي لن أناقشه كثيرا، وذلك لبراعتها في تجسيد أدوار "شعبية" تتقن لكنتها وسكناتها،وقد أناقش دنيا إذا حدث وأدت دور مديرة بنك أو برجوازية، لكن في هذا الدور كانت لها مساحة أكبر وقدرة هائلة في تقريبنا من قاموس الثرات الشفهي المغربي، غناءً وكلاما. لكن الامر الأكثر أهمية الذي وجب التحدث عنه، هو أن الشخصية كيفما كانت حدتها، أو لطفها يكون لها نقيض ونقاط ضعف تعبر عنها بالسلوكات والمشاعر، بل وتفلسف طيبتها.
يحق للمؤلف تخيل قصة معينة، ويمكنه أن ينهيها ويبدأها كما شاء، لكن دون حدوث تمزق لديه في بنائها، أي دارستها قبل الكتابة عنها، والحال في مسلسل المكتوب، أن تصور المؤلفة للبرجوازية في المغرب، كان مبتذلا، برجوازية تجتمع على مائدة العشاء لتأكل السلطة، وتستهلك الشاي الأخضر بين الوجبات، برجوازية متوحشة، أفرادها معقدون، بلا ذمة، يتصارعون من أجل المال، حالات نفسية عصابية، يبتسمون بصعوبة، وإذا ابتسموا يضمرون لك شرا،يجدون صعوبة في التعبير عن الحب … والكثير من أحكام القيمة. فيما الفقراء لا ينجحون في زيجاتهم، طماعون، لا يعرفون فن العيش، يمكن شراء ذمتهم بسهولة، والخلاصة هنا هي أنه لا أحد بخير في القصة، وهنا يوجد إقحام شخصية الكاتب في القصة، ووجهة نظره في الحياة وفي العالم.
ملاحظتين في غاية الأهمية في هذا العمل، ويمكن أن تكون أولهما هي من أثارت جدلا في هذا العمل، وهي كينونة "الرجل" فيه "واكلة لعصا"، هناك أداة تحكمت في الرجل بغير وعي، ظهر الرجل في المسلسل ضعيفا جدا، تتحكم المرأة و"الأم" في قراراته وفي بقائه من عدمه، ولم يعالج بالشكل الذي يبدو طبيعيا هذا المكون المجتمعي الحاصل، بحيث تجعل منه القصة شخصا قادرا على التفكير والإنتاج والتفاعل مع مشاكل الحياة باستقلالية.
ثانيا: لاحظت على أن المخرج علاء أكعبون، فعل ما بوسعه لكي يجد حلولا لفراغات سيناريو هذا العمل، في غياب إدارة الممثل.
في النهاية، ربما تمكن الممثلين هو الذي جعل المغاربة يعجبون بالعمل، قصة جديدة، أطوارها غريبة، صراع الخبر والشر فيها قسم المغاربة لجزئين، الأول مع الفقراء، والثاني مع الأغنياء، وكل سيجد نفسه في جهة، لكن، لا أحد فينا خلال مشاهدتنا للمسلسل، احتار في الشخصيات ووجد لها أعذارا للغضب أو للفرح.
خلود المختاري