شهادة تاريخية للمناضل
الجزء الثالث والأخير
- لقد أفلتت من اعتقالات يناير 1972، وحكم عليك بالسجن المؤبد غيابيا في محاكمة الدار البيضاء الأولى، كيف عشت هذه التجربة؟
لقد كنت صحبة الرفيق آسيدون عندما تم اعتقاله في منزله في عين السبع من طرف رجال الدرك، وإن معاينتي لهذا الاعتقال وإفلاتي منه بأعجوبة قد كان حظا كبيرا مكننا من تجنيب المنظمة كارثة مؤكدة. إن اعتقال أسيدون أعطانا إشارة مبكرة إلى أن أحدا من قادة المنظمة قد تم اعتقاله، وافترضنا من يكون وانطلاقا من هذه الفرضية بعثنا فورا بالرفيق محمد تيريدا ليخبر كل عناصر القيادة المحتمل اعتقالهم بضرورة المجيء إلى الدار البيضاء لإخفائهم. وباستثناء المرحوم محمد البردوزي الذي لم يعطي أهمية لطلبنا فتم اعتقاله في عمله، فإن كل أعضاء المكتب السياسي وعدد آخر من الأطر تم افلاتهم من الاعتقال، وقد كانوا فعلا مبحوث عنهم، كما أن منظمة "ب" ككل لم يلحق بها ضرر كبير. مع ذلك ونظرا لقلة الإمكانيات المتوفرة لإيواء كل المتابعين، وتقديرا للأضرار الممكن أن تلحق بالتنظيم في حالة اعتقال أعضاء المكتب السياسي فلقد تقرر إخراج ثلاثة من المغرب هم الطالبي، ومسداد والمريني. فتكلف أحد الرفاق بالذهاب إلى الجزائر لتحضير استقبالهم عند عبور الحدود، وتكلف رفيق آخر بعملية العبور لأنه ابن المنطقة الحدودية وعارف بطرق التهريب.
أما أنا في هذه المرحلة فقد دخلت السرية وبقيت في الدار البيضاء الكرفاتي عضة المكتب السياسي ومع الرفاق في اللجنة المحلية تيريدا محمد، جبيهة رحال، فكاك رشيد، مريد عبد العزيز والسمهري، للمساهمة في ترتيب وضع المنظمة بعد الاعتقالات. ولم تكن هذه المهمة معقدة كثيرا لأن حجم الاعتقالات كان محدودا، وكان تنظيم الدار البيضاء لم يعتقل منه أي أحد، فشكل بذلك قاعدة آمنة لتنصيب هيأة وطنية جديدة، شارك فيها بعض المناضلين من خارج الدار البيضاء من بينهم ياسين إبراهيم. وبعد استقرار أوضاع المنظمة نسبيا، خرجت بدوري إلى الجزائر مع الرفيق حمامة محمد للالتحاق بأعضاء المكتب السياسي والمشاركة في النقاش الذي فتح مع المناضل آيت إيدير بن سعيد بهدف إدماج مجموعته في منظمة 23 مارس، ولقد تم ذلك بيسر، وبمجرد انتقالنا إلى فرنسا في أواسط يونيو 1972 بدأ الرفيق بن سعيد يزاول مهامه معنا في قيادة فرع الخارج.
- إنها مرحلة المنفى في فرنسا، ماهي المهام التي طرحتموها على أنفسكم وأنتم في الخارج؟
لقد غادرنا الجزائر التي كانت محطة عبور، واخترنا اللجوء في فرنسا نظرا لتواجد جالية مغربية عمالية وطلابية كثيرة، ولسهولة تتبع تطور الأوضاع والاتصال بالمغرب، إضافة إلى موقع باريس وأهميته على المستوى السياسي والإعلامي.
وعند وصولنا إلى فرنسا بدأنا العمل الجماهيري والسياسي بتنسيق وثيق مع فرع منظمة "أ" (إلى الأمام) سواء في جمعية العمال المغاربة أو القطاع الطلابي حيث لم تمضي إلا سنة حتى أصبح الطلبة التقدميون يشكلون أغلبية داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كما بدأنا نصدر مجلة أنفاس و souffles في الخارج بعد منعها واعتقال عبد اللطيف اللعبي في الداخل، إضافة إلى نشرات خاصة بالقطاعات الجماهيرية. كما أننا انخرطنا في العمل داخل "لجان مناهضة القمع في المغرب" لدعم المعتقلين بإرسال المحاميين والملاحظين الدوليين أثناء المحاكمات، وتعبئة الرأي العام للتضامن معهم.
وفي الداخل، على إثر خلاف حاد بين "23 مارس" و "إلى الأمام" حول إعلان تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ أو القبول بالوداديات التي اقترحها النظام عقب الإضراب العام الذي دام طويلا داخل الثانويات (السنة البيضاء)، وبعد تراجع منظمة 23 مارس عن خط العمل الجماهيري، والدخول فيما سمي بالمرحلة الداخلية، حصل تباعد بين منظمة " أ " (إلى الأمام) ومنظمة "ب". إلا أن هذا الصراع لم يمس بالعمل الوحدوي بين المنظمتين في الخارج، وفي الداخل نفسه تجاوزت هذه الخلافات بعد أن تراجعت منظمة 23 مارس عن خطة المرحلة الداخلية وتشكلت لجنة وطنية جديدة، فحصل التقارب السياسي من جديد بين الى الأمام و23 مارس أواسط سنة 1974، بما في ذلك الموقف من قضية الصحراء الغربية، وكانت المنظمتان على أبواب الوحدة الاندماجية لولا تدخل القمع.
- في زخم الأحداث التي عرفتها سنة 1974، برزت قضية الصحراء، كيف تعاملت منظمة 23 مارس مع هذا التطور الهام في الوضع السياسي المغربي؟
للحقيقة والتاريخ لابد من التذكير بالموقف الذي اتخذته المنظمة على المستوى الوطني، والذي ضمنته في بيان مطول صدر في22/09/1974. فبعد رصد الوضع في الصحراء، والحلول الممكنة يقول البيان الوطني:
"إن كون الصحراء قد شكلت تاريخيا جزءا من المغرب، فهذا لا يحل المشكلة لأن القضية الأساسية المطروحة هي قضية التحرير الفعلي للصحراء ولجماهيرها التي ترزخ تحت نير الاستعمار الإسباني المباشر، والاستغلال الامبريالي. إن طريق التحرير من هذا النير ليس ضمها إلى المغرب بالعنف الرجعي في إطار النظام الأوتوقراطي التبعي، وليس استقلالها في إطار دولة مزيفة، بل على طريق إعادة بناء وحدة الشعب المغربي وجماهير الصحراء على أسس وطنية ديموقراطية، بناء وحدة النضال الثوري الذي يستهدف بناء الديموقراطية الشعبية.
إن شعار إعادة بناء وحدة الشعب المغربي والجماهير الصحراوية نتوجه به إلى الجماهير المغربية وإلى الجماهير الصحراوية معتمدين أسلوب الإقناع الديمقراطي والنضالي مقرين لها بحقها في تقرير مصيرها". التوقيع منظمة 23 مارس - اللجنة الوطنية 22/09/1974."
لكن أغلبية لجنة فرع المنظمة في الخارج امتنعت عن نشر هذا البيان وروجت لأطروحتها الخاصة على أنها موقف المنظمة.
لمواجهة هذا التصرف المخالف للنظام الداخلي للمنظمة قمت مع مجموعة من الرفاق في فرع الخارج (أبو العزم، والحبيب طالب، محجوبي محمد وملوك عبد الرحيم) بإصدار كتاب عند دار ماسبرو في مارس 1975 تحت عنوان "الطريق الثوري لتحرير الصحراء الغربية" يتطرق بتفصيل لتاريخ تجزئة المنطقة ولموقف منظمة 23 مارس من قضية الصحراء ومن الإجماع الوطني حول النظام.
وكمحاولة لتسوية الخلاف طلبنا من قيادة فرع الخارج أن يتم انتظار خروج المعتقلين من مراكز التعذيب إلى السجن، وربط خيوط الاتصال مع الفارين، لإعادة النقاش من جديد في هذا الموضوع بمشاركة كل الرفاق في الداخل. لكن هذا الاقتراح رفض وفي المقابل تم إخراج بعض المناضلين الذين يتفقون مع مواقف فرع الخارج، وعقدت ندوة سميت وطنية لشرعنة الانقلاب على مواقف المنظمة، في الوقت الذي لا زال جل المناضلين على الصعيد الوطني مجهولي المصير في درب مولاي الشريف.لقد رفضت المشاركة في هذه العملية الانفصالية.
في الحقيقة إن الخلاف لم يكن حول هل الصحراء مغربية، بل حول كيف يمكن إعادة بناء الوحدة الوطنية، وهل يجوز بناء وحدة حقيقية ومستدامة رغم إرادة الجماهير الصحراوية. وبارتباط مع هذا الخلاف، برز خلاف أكبر وأعمق، وهو قبول قيادة فرع الخارج الانخراط في إجماع وطني يقوده النظام، واعتقادها بوجود مسلسل ديموقراطي مع أن الوضع وضع سنوات الرصاص تميز ذلك الوقت بإرهاب مخزني ضد كل صوت تقدمي (اغتيال لعمر بن جلون، الاختطافات، التعذيب، الخ...). وعلى المستوى التنظيمي، لقد كانت قيادة فرع الخارج تمثل تيارا أقلية داخل المنظمة تبني خطأ سياسيا هو النقيض لخط منظمة 23 مارس، ولمواقف قيادتها الوطنية، وأغلبية مناضليها. ولقد تم ذلك تحت تأثير وضع طبعته أجواء المسيرة الخضراء، واستغلال الحكم لقضية الصحراء لتقوية سلطته، ولف مختلف القوى السياسية التقليدية حوله، للمزيد من القمع ضد حركة اليسار الجدري والنضالات الجماهيرية.
وإذا كان من حق رفاق قيادة الخارج أن يراجعوا اختياراتهم ويشكلوا تنظيما شرعيا خاصا بهم، فإن الذي لا يمكن قبوله أخلاقيا هو أن ينسب هذا التوجه الجديد لمنظمة 23 مارس.
- بعد فشل تسوية الخلاف مع فرع 23 مارس في الخراج التحقت بمنظمة "إلى الأمام"، حدثنا عن تجربتك ومهامك داخل هذه المنظمة
انطلاقا من قناعاتي، وبحكم التقارب في المواقف على المستوى الوطني بين منظمة 23 مارس و منظمة "إلى الأمام"، حيث أن موضوع الوحدة الاندماجية قد طرح من جديد قبيل اعتقالات 1974، قررت الالتحاق بإلى الأمام. كما أن الأغلبية الساحقة من المناضلين المتعاطفين مع الحركة الماركسية اللينينية في الخارج سواء في إطارات "الطلبة التقدميين" أوفي القطاع العمالي ظلوا ثابتين في مواقفهم إلى جانب "إلى الامام". أما عن دوري داخل هذه المنظمة، فلقد قمت به حسب المهام التي أسندت إلي، فساهمت في العمل الدعائي (إصدار مجلة إلى الامام، مغرب النضال، ونشرات أخرى)، وفي تأطير الأنشطة في القطاعات الجماهيرية، كما تحملت مسؤولية العلاقة مع المنظمة في الداخل، وكناطق باسم منظمة إلى الأمام تجاه الرأي العام الخارجي، ولقد استمر عملي داخل منظمة إلى الأمام إلى أن انسحبت لأتفرغ للعمل الحقوقي.
- لقد شاع أن انسحابك من إلى الأمام كان نتيجة خلاف بينك وبين قيادة المنظمة في السجن، وأساسا مع السرفاتي...
فعلا أول الخلافات كانت بعد اعتقالات 1977-1979 بخصوص مجموعة من القضايا السياسية والتنظيمية: كيفية إعادة بناء المنظمة - تقييم نشاط المنظمة وسط الشبيبة المدرسية - مضمون الدعاية الجماهيرية ـ التعامل الدغمائي مع النظرية الماركسية اللينينية، تصريح السرفاتي بخصوص الجمهورية الصحراوية.
ولقد اشتد هذا الخلاف فيما بعد عندما شعرت من خلال المعاينة أن المنظمة إضافة إلى الأخطاء السابقة الذكر لا تراعي شروط العمل السري. وبالفعل إن تخوفاتي وتحذيراتي كانت في محلها، فجاءت اعتقالات 1984 و1985 التي حصدت قيادة المنظمة بالداخل بكاملها، وقد حملت آنذاك المسؤولية الرئيسية هذه النتيجة إلى القيادة التاريخية في السجن التي وجهت عملية إعادة البناء بصفة متسرعة وارتجالية. إلا أنه رغم كل الخلافات، وأمام الاعتقالات الواسعة التي تعرضت لها المنظمة، فإني بدافع سياسي وأخلاقي واصلت عملي مع المنظمة، خاصة في القضايا المتعلقة بإخراج المناضلين المتابعين من طرف البوليس، ومرافقتهم للحصول على اللجوء السياسي وتسوية أوضاعهم في المنفى.
21. وماذا عن تجربتك الحقوقية؟
إن دخولي التجربة الحقوقية لم يكن فقط لاعتبارات تكتيكية لمواجهة النظام، ولكن أيضا لتوصلي لقناعة عميقة أن أي تحرر لن يتحقق بدون ضمان الحقوق والحريات الأساسية لكل مواطن ومواطنة ونشر ثقافة حقوق الانسان في المجتمع، كما أنني شعرت بضرورة تقديم صوت مغربي موحد في الخارج للدفاع عن الحريات الأساسية في المغرب. ومن هنا بادرت بالاتصال بعدد من المناضلين من مختلف الأحزاب الديموقراطية المغربية لتأسيس "جمعية الدفاع عن حقوق الانسان في المغرب" (ASDHOM). هذه الجمعية التي منذ تأسيسها سنة 1984 وإلي اليوم وهي تكافح من أجل نصرة الحريات وضمان حقوق المواطنة. ولقد لعبت طيلة سنوات الرصاص دورا هاما لفضح المعتقلات السرية (تازمامرت، أكدز، قلعة مكونا...) وفي تعبئة الرأي العام الدولي ضد السياسة القمعية للنظام، وذلك من خلال الندوات الصحفية والترافع أمام المؤسسات الأوربية والأممية، والمهرجانات، وإرسال البعثات الطبية والقانونية لدعم المعتقلين السياسيين.
ولقد كانت جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، أول جمعية مغربية بادرت منذ 1989 برفع شعار العفو العام، ودعوة كل القوى الديموقراطية إلى التعبئة الجماعية حول هذا الشعار، الشيء الذي تحقق في الندوة الوطنية التي نظمت في مدينة "أميان" بفرنسا من طرف تنسيقية ضمت كل المنظمات والجمعيات المغربية في الهجرة، والتي حضرها ممثلون عن الأحزاب الديموقراطية من المغرب. وقد كان من الملتمسات التي صادقت عليها الندوة ملتمسا هاما يطالب النظام المغربي بإصدار عفو عام في حق كل المعتقلين والمنفيين، وتوضيح مصير المختطفين.
وموازاة مع مسؤوليتي داخل هذه الجمعية الحقوقية، ساهمت كذلك في تأسيس "تجمع اللاجئين والمنفيين المغاربة" والذي كان له أيضا دورا في النضال الديموقراطي، وفي تدبير عودة اللاجئين عند صدور العفو العام في يوليوز 1994.
وعند إنشاء هيأة الإنصاف والمصالحة، رفعت جمعية "الدفاع عن حقوق الانسان في المغرب" مذكرة إلى هذه الهيأة تحدد فيها اقتراحاتها بخصوص جبر الضرر لضحايا سنوات الرصاص، والبحث عن الحقيقة والافصاح عنها، ووضع حد للإفلات من العقاب والقيام بالإصلاحات الدستورية والقانونية، ومختلف التدابير التي يجب اتخاذها لكي لا يتكرر ما جرى.
- لقد ساهمت كذلك مع عدد من الفعاليات في تأسيس حزب اليسار الاشتراكي الموحد، لكنكم لم تواصلوا العمل داخله طويلا.
لقد تحمست كثيرا لفكرة توحيد كل اليساريين في إطار واحد، وفعلا تمت الوحدة التي فجرت آمالا كبيرة لدى الآلاف من المناضلين الذين انخرطوا في الحزب الجديد والذين كانوا على أهبة العودة للعمل السياسي ودخول هذه التجربة، إلا أن صراعات مبالغا فيها وأحيانا مفتعلة، وغياب الحكمة لتدبيرها كسرت تلك الآمال. ونظرا لأنني لم أعد مستعدا لخوض معارك لتصحيح ما اعتبرته من مواقف وممارسات خاطئة، فضلت أخذ مسافة من هذه التجربة. إلا أني لازلت قريبا من كل التنظيمات والتيارات السياسية اليسارية، ولي ما يكفي من الأمل في أن يتم تصحيح المسار بدخول طاقات جديدة على خط النضال اليساري.
- هل لك من خلاصة استنتجتها من تجربة اليسار المغربي
رغم الصدق النضالي والاستعداد لبدل كل التضحيات لتحقيق نظام ديموقراطي عادل، لم يحقق اليسار هدفه الاستراتيجي، طبعا بفعل القمع الشرس، لكن أيضا بفعل مجموعة من الأخطاء في رسم الخط السياسي الملائم للوضع، وفي التنظيم وأساليب العمل الجماهيري، وإدارة التناقضات الداخلية. وبالرغم من أن البعض اعتبر أن زمن الأيديولوجيات قد انتهى، وأن لا أفق أكثر من ديمقراطية ليبرالية ورأسمالية اجتماعية، وظن أنه وجد الطريق الصحيح، فإن الممارسة أبانت أن تصحيح المسار وجب البحث عليه في مكان آخر.
وإذا كان التقييم الشمولي لازال لم يكتمل، فإن بعض الأحكام الخاطئة يمكن ازاحتها مثل القول بأن العمل وسط الشبيبة كان خطأ، في حين أن الخطأ هو عدم توظيف طاقات الشبيبة للانتشار في المجتمع وبناء قاعدة شعبية واسعة. لابد من العودة للعمل بجد مع الشباب في إطار عمل شمولي لبناء قاعدة شعبية مكافحة.
لكن رغم التفاوت الكبير بين التضحيات والنتائج، فإن اليسار ساهم بقسم وافر فيما تحقق من مكتسبات ديموقراطية على ضآلتها، وإعطاء أجيال متعددة من المناضلين والمناضلات الذين لازالوا يعملون في الجمعيات والنقابات والإطارات السياسية اليسارية الحالية. وأمام تخاذل الأحزاب المحسوبة على الصف الديموقراطي والتفافها حول النظام، فإن هذه الطاقات المكافحة المنحدرة من اليسار الماركسي - اللينيني هي التي لازالت تحمل مشعل النضال وتنزل للشارع لدعم الحركات الجماهيرية، أو لمناهضة التطبيع، والتعبير عن التطلعات الشعبية. وإذا كان الانتقال من العمل السري إلى العمل العلني مسألة إيجابية ارتبطت بما تحقق من هوامش ديموقراطية بعد العفو العام الصادر في 1994، فإن اليسار المغربي رغم ذلك لازال يتعثر في سيره، ولن يتمكن من النهوض بدون توفير عدد من الشروط، والإصلاحات الداخلية التي نذكر منها:
- توضيح الخط السياسي، كقاعدة لتوحيد فصائل اليسار خاصة عندما يتعلق الأمر بوحدة اندماجية. فعندما يرفع شعار "الملكية البرلمانية" مثلا نجد تفاوتات في المضمون الذي نريده، ونفس الشيء بالنسبة للعلاقة مع السلطة وأجهزتها، وعدد من القضايا التكتيكية والاستراتيجية.
- العمل على بناء جبهة نضالية، بناءا فعليا وليس اسما بدون مسمى، وذلك بتحديد أرضيتها المجمعة، وآليات اشتغالها، ووسائل عملها، ومسؤولية كل مشارك فيها.
- الاجتهاد في بناء برنامج التغيير، والبدائل التي يريد اليسار المغربي تقديمها في مختلف الميادين السياسية والاجتماعية .
- الارتباط بالحركة النضالية الجماهيرية، ومساعدتها على تنظيم احتجاجاتها بدون وصاية فوقية.
- هيكلة تنظيم محكم وفعال، مبني على الديموقراطية الداخلية، والصرامة في العمل، والتقييم المستمر بإعادة الاعتبار للنقد والنقد الذاتي.
هذا إلى جانب توفير الوسائل المادية والتقنية للعمل، ومن بينها وسائل التواصل الجماهيري.
وخلاصة لتحقيق التغيير لابد من العمل على محورين: بناء قوة التغيير، وبناء مشروع التغيير، وهذا يتطلب أداة تنظيمية فعالة وخطة عمل سديدة، وخطابا نافذا. لكن قبل كل شيء، المنطلق هو الإرادة القوية، والثقة بالنفس، وفي حركة الجماهير، والقناعة الراسخة بأن التغيير ممكن.