في خريف الشهداء
من هي المناضلة سعيدة المنبهي؟
إنّها، بكل بساطة مغربية لأمها فخيتة الهلالي وأبيها عبد الله المنبهي، مراكشية المَوْلِدَ، سنة 1952، والنشأةَ في أحضان عائلة مناضلة. انخرطت في النضال التلاميذي، في إطار النقابة الوطنية للتلاميذ (ن. وت) في مطْلع سبعينيات القرن الماضي؛ ثم انضمت إلى النضال الطلابي، عند التحاقها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية - شعبة اللغة الإنجليزية وآدابها - التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث التحقت بـ "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميّين"، المعروفة باسم "الجبهة". كانت من مناضلات الاتحاد الوطني لطلبة المغرب "أوطم". وانتُخِبت مؤتمرةً للمؤتمر الخامس عشر لأوطم. بعد ذلك مارست التعليم والتحقت بالنضال النقابي في إطار الاتحاد المغربي للشغل (الجامعة الوطنية للتعليم). انضمت إلى منظمة "إلى الأمام" في مطلع السنة الدراسية 1974-1975. ومما يحكيه بعض رفاقها، في منظمة "إلى الأمام"، أنها كانت تتكفّل ببعض رفاقها المضطرين إلى الدخول في السرية. قبل ذلك كانت، وهي تلميذة، تعقد اجتماعات تلاميذية بمراكش.
يبدو لي، من خلال الأسئلة المطروحة علينا، أن الغاية من لقائنا هذا واضحة وجليّة للغاية. إنّها تتمثل، أساساً، في إنعاش وحفظ ذاكرتنا المشتركة، الذاكرة الجماعية للشعب المغربي... ذاكرة المضطهدين في وطننا الحبيب، أوّلاً.
ثم يتعلق الأمر بمحاربة إفلات الجلاّدين من العقاب؛ الذين عذبوا وشردوا وقاموا باغتيال أنبل المواطنين والمواطنات - من خلال عدّة عقود – مناضلون ومناضلات قضوا نحبهم واسترخصوا حياتهم حبّاً للوطن وعشقاً في الحرية والكرامة؛ إفلاتهم أولئك ثانياً. أما الشق الثالث فيخُصّ انتظارات وآمال من تعرَّضوا للقمع والبطش من أجل الحيلولة دون تكرار ما جرى ثالثاً.
سأحاول الإجابة على الأسئلة المطروحة، باقتضاب. [
بدأت الموجة الثانية من الاعتقالات التي استهدفت استئصال جذور الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحلم)- بعد حملة 1972 - "مجموعة أنيس بلفريج ومن معه"- في مايو 1974، وامتدت إلى غاية مارس 1976.
ومما يحكيه بعض رفاقها، في "إلى الأمام"، إنها كانت تتكفّل ببعض رفاقها الذين كانوا يضطرون إلى الدخول في السرية وقبل ذلك كانت، وهي تلميذة، تعقد اجتماعات تلاميذية بصالون أختها مليكة بمراكش.
جرفت موجة الاختطافات رفيقها المرحوم عزوز لعريش في 13 يناير سنة 1976...، في نفس اليوم عادت سعيدة من ثانوية الخوارزمي التي كانت تدرّس بها، إلى بيتها فلم تجد عزوز لعريش. في اليوم الموالي جاءت إلى منزلي وأخبرتني باختفاء عزوز لعريش قائلة أنه، لربما، تم اختطافه. وتأكد نبأ اختطافه يوم 15 يناير.
عندئذ صاحبتها إلى منزلها وقُمنا بجمع كل الوثائق وبطاقات التعريف المزورة ووضعناها في حقيبة سفر سوداء، لإخفائها بمنزلي. لم تترك سعيدة إلا الكتب.
مساء يوم 16 يناير 1976، عادت سعيد إلى شقتها على الساعة السادسة، وقبل ذهابها وعدتني بالعودة إلى بيتي لقضاء بعض الوقت مع ابنتي فدوة، وقد كانت بمثابة أم ثانية لها... قالت أنها كانت تريد أن تستطلع مجريات الأمور لقطع الشك باليقين!
فتحت سعيدة باب شقتها... كانت أضواء البيت منطفئة... ظلام دامس يغمرها. ومع دخولها صُدمت بوجود أربعة رجال، من "أصحاب الحال" قابعين في غرفة نموها انقضوا عليها وصفَّدوا يديها وعصَّبوا عيناها ب "البنضة" التي ستلازمها خلال كل مدة ضيافتها بجحيم درب مولاي الشريف المشؤوم... قاموا بتفتيش الشقة وقلبوها رأساً على عقب... أخذوا بعض الكتب غير أنّهم لم يعثروا على أية وثيقة... تم اختطاف سعيدة من دارها... عدتني بالعودة، غير أنها لم تعد أبداً. كان ذاك هو آخر لقاء بيننا... لم أكن أتصور ما حدث لها... الاغتيال يا حسرتي! لن تعود سعيدة أبداً...
قضت سعيدة...؟ شهراً، بالمعتقل "السرّي" درب مولاي الشريف، ذاقت خلالها كل ألوان العذاب والتنكيل على أيدي زبانية النظام الجلادين؛ غير أنّهم لم ينالوا من صمودها، من عزيمتها وإصرارها على كتمان سرّ رفاقها و "سرّي" أنا أختها ولولا ذلك الصمود البطولي، الذي عزَّ نظيره حقّاً لتمّ إلحاقي بها في "الدرب" وذاقت تنكيل "الحجاج"...!
اختفت سعيدة، أصبحت في تعداد المختطفين، "مجهولي المصير" آنذاك...!
وبعد التنكيل والتعذيب تم إيداعها بسجن غبيلة فيبعد إخطارنا بنقل مجموعتها إلى السجن، سارعت، بمعية أمي، إلى زيارتها... كانت شاحبة اللون، هزيلة لكن معنوياتها كانت عالية... خاطبت أمنا قائلة "لماذا سميتموني سعيدة؟.. بكت الأم... وكان أول سؤال وجهته لي هو : " ماذا فعلتي بالجوبة "jupe" السوداء؟ كان جوابي أحتفظ بها في بيتي. فردّت عليّ "احرقيها فقد تعرضت لعذاب شديد للاعتراف بمكان وجودها!... "
خاضت سعيدة مع رفيقاتها ورفاقها إضرابا عن الطعام في شهر أكتوبر 1976.
بدأت المحاكمة الصورية لسعيدة مع رفيقاتها ورفاقها في 3 يناير 1977و في 15 فبراير، صدر في حقها حكم بخمس سنوات نافدة وغرامة.
في شهر نوفمبر سنة 1977 خاضت سعيدة مع رفيقاتها ورفاقها إضرابا لا محدودا عن الطعام من أجل المطالبة بتطبيق نظام المعتقل السياسي....فكانت الفاجعة.
تم اغتيال المناضلة سعيدة المنبهي. وارتكبت تلك الجريمة داخل اكبر مستشفى بالدار البيضاء...على مرأى و مسمع مني !!
ساعة اغتيال سعيدة، كان حزني لا يطاق غير أنّه تفاقم وزاد من غضبي وثورتي اقتناعي الراسخ - وقناعتي التي لم تتزحزح، بعد مرور أزيد من أربعة عقود - أنه كان بالإمكان إنقاذ حياة أختي المناضلة؛ التي ظلت في حالة غيبوبة "Coma" لمدّة ثلاثة أيام طوال: تصارع الموت، وحيدة، معزولة وبدون أية شفقة ولا رحمة...! كانت في غرفتها مُحاطة بجحافل من "العسكر" والبوليس: لمنعها من الهروب ليس إلاّ! كانت قمة اللاإنسانية... الانتقام من مناضلة... من مواطنة، تجرّأت على قول "لا". مناضلة اختارت طواعية النضال من أجل مغرب آخر، مغرب الحرية والكرامة وحب الوطن. كان ذنبها الوحيد هو أنّها اختارت، بكل وعي، معسكر المضطَهَدين ضدّاً على معسكر الاستبداد والظلم والنهب وامتهان كرامة المواطنات والمواطنين. من معسكر المضطهدين، نعم، وبكل تأكيد، كانت إمكانية إنقاذ حياة سعيدة مُتاحة ومُمكِنة... لو تجنّد طاقم من الأطباء، المختصين في الإنعاش والعناية المركزة للقيام بما يمليه عليهم "قسم أبقيراط"Hippocrate ... غير أن المسؤولين - والجميع يعرف حقّ المعرفة - أصرّوا على إهمالها لتواجه مصيرها المحتوم.
كان إحساسي بالظلم والإهمال المقصود والمبيّت لا حدّ له وبقيّ يلازمني طوال كل السنين، منذ توقف خفقان قلبها.
قضيت تلك الليلة، بكاملها، إلى غاية الخامسة صباحاً، ببهو المستشفى. كانت ليلة كاحِلة، ظلماء. لم أكن أحِسّ بالبرد القارص الذي كان يهُب من الممر.
انتظرت المعجزة طوال الليل، الأمل الذي لم يُكتب له أن يتحقّق، جراء إرادة وإمعان المسؤولين في اغتيال أختي وهي في زهرة ربيع عمرها!
كانت الغرفة التي ألْقَوا فيها بالمناضلة سعيدة مقابلةً للبهْوَ. ومن النافذة كنت أرى رؤوس وقبعات "القوات المساعدة" والبوليس، من دون أن أتمكن من رؤية سعيدة التي كانت طريحة الأرض...
كنت أنصت بخشوع ورهبة لدقّات قلبها، كانت تأتيني وكأنها طبول حرب أو صفير إنذار بفضل مخطط القلب الكهربائي - الذي يشير إلى سرعة وتردد نبضات قلبها-. غير أن تلك الآلة الطبية العجيبة لن تفيدها في شيء، لن تُنقذها من موتٍ مُحقّقٍ، وأغلب الظن أنهم وضعوا المخطط قصداً، حتّى لا تفارق أختي الحياة و"أصحاب الحال" في غفلة من أمرهم؟!!
يزورها طبيب وحيد إلاّ من حين لآخر. كان فرنسي الجنسية، في طور إنهاء خدمته المدنية. كان داخليا "interne" بصدد إتمام تكوينه الطبي. توجَّهتُ إليه، بعد خروجه من الغرفة، التي كانت من المفترض طبياً أن تكون غرفة إنعاش وعناية مكتفة - وصرح لي مباشرة أنه ليس بإمكانه تحقيق معجزة...
طبيب وحيد، لم يستكمِل تكوينه بعد، كيف له أن ينتزع سعيدة من مخالب الموت؟ سعيدة، مغربية شابة، في ربيع حياتها... عزلاء، من دون أية عناية طبية، تصارع الموت، من أجل الحياة ومواصلة النضال...
ولا من طبيب يُنقِذها: إنه الظلم بعينه، الموت/الاغتيال المُدبّر، مع سبق الإصرار والترصُّد!
على الساعة الخامسة صباحاً، من ذاك اليوم/الليل المشؤوم - يوم 11 دجنبر 1977- لم أعد أسمع سوى صوت المُخطِط، صوت لم تعُد تصاحبه دقّات قلب سعيدة.
عندئذٍ، أدركتُ أن سعيدة قضت نحبها. غادرتنا بدون رجعة.. ما أقسى أن يكون المرء على مقربة ومُبعداً عن شخص يُحبه، شخص يعاني، يُقارع "سكرات" الموت من دون أن تكون له أية إمكانية لإسعافه وإنقاذه من الموت التي يُلقي بظلاله عليه.. يتربَّصُ لحظة اختطافه!
كانت الفاجعة، الإحساس بأقسى درجات الظلم... لن ولا أريد أن أنسى تلك اللحظة القاتلة... لقد قتلوا المناضلة سعيدة المنبهي، أختي العزيزة التي تربطني بها علاقة انصهار قلبي "fusionnelle" منذ صبانا... بتروا جسدي، كياني... حرموني من النصف الأبهى من ذاتي...!
لن أغْفِر لهم أبداً، ما دُمت حيّة أُرْزَق تلك الجريمة الشنعاء...ارتكبوها، عن وعي، في جنح ظلام مستشفى موريسڭو مستشفى ابن رشد (حالياً)... أحمل ذكراها، أجهَرُ باغتيالها أفضحه حيثما ذهبت.
لكنني متفائلة، أبتسم للآتي، أحلُم بمستقبل زاهر، أفضل رغم كوني في خريف حياتي. وضعت كل آمالي في أجيال المستقبل التي لا بد أن ترفض، يوماً ما، العيش في ظل الاضطهاد، البطش، السرقة الموصوفة وامتهان كرامة المواطنين والمواطنات... ودوام الحال من المُحال، كما يُقال...
يحدّثوننا عن طي صفحة الماضي، مع منعنا من قراءتها. يحدّثوننا عن "الانتقال الديمقراطي" الذي طال أمدُه من دون أن ينتقل مغربنا... يقولون ويقولون لكن بلادنا لا تتغيّر في جوهرها. لا جديد تحت الشّمس، تغيّر الموظفون والخدّامة والخدم... لكن هيهات! ما زالت الأمور كما كانت بالأمس أيّام ما يُسمّى "سنوات الرصاص"... مع بعض المساحيق و"الروتوشات" بكل تأكيد...، ليس إلاّ...
لكن، ما مصير المحاسبة وعدم إفلات المسؤولين - من كل ما جرى - من العقاب؟ مَن المسؤول الحقيقي عن اغتيال المناضلة سعيد المنبهي - يوم 11 دجنبر 1977-، لقد قتلت وهي موجودة في أكبر مستشفيات الدار البيضاء. من هُم مُنفِّذوا الجريمة والضالعون في ارتكابها؟ من هُم كل المتورطون في الاغتيال؟
هل تمت مساءلة كل هؤلاء؟ هل تم اعترافهم بجريمتهم؟ هل طلبوا العفو والصّفح من "الضحايا"، ضحاياهم؟ هل تمت المتابعة القضائية لكل من أنكر ضلوعهُ في الجريمة؟
في بلدنا، رغم التّطبيل والتّزمير لفَرَادة "التجربة المغربية" في "العدالة الانتقالية" الوحيدة والفريدة في العالمين العربي والإسلامي. كل ما قيل، في مجال مدح الطابع "الاستثنائي" للتجربة المغربية.
مع الاعتراف لهيئة الإنصاف والمصالحة، التي نصبها النظام، بنجاحها في المهمة المنوطة بها. ألا وهي تلميع صورة النظام خارجياً أولاً، وإسكات أصوات الضحايا المحتجّين، عبر "تعويض ما لا يُعوّض" ثانياً.
بالرغم من كل هذا، لا مندوحة لنا من قراءة صفحة ماضينا، حتى ولو كانت بعض جوانبها مُظلمة، قاتمة تقطُر ظلماً ودماءً، من رأسها إلى أخمص قدميها. لا بدّ لنا من مواجهة ذلك الماضي بجرأة، بحِكمة وبما يخدم مصلحة وطننا ويضمن مستقبلاً أفضل لكافة أجيال المستقبل؛ واضعين المصلحة الحقيقية للوطن فوق كل الاعتبارات أيّاً كانت طبيعتها.
نعم، إنّ ضرورة نبذ كل أصناف الانتقال وروح الضّغينة لا مناص لنا منها. والغاية ينبغي أن تكون هي معرفة ما جرى... كل ما جرى وبجميع التفاصيل (والدولة المغربية على بيّنة من كلّ ذلك).
أمّا الانتظارات فتكمُن في القيام بمبادرات واتّخاذ إجراءات لن تُكلِّف خزينة الدولة تبذير المال - كما حدث في تجربة الإنصاف والمصالحة.
في مقدمتها على الدولة المغربية أن تُعلن، صراحة ومن دون أي مراوبة، مسؤوليتها في كل ما حدث.. عليها أن تتقدّم بالاعتذار للشعب المغربي بكل الجرائم التي ارتكبتها، في حقِّ بناته وأبنائه منذ رحيل الاستعمار.
ليس إجلاء كل الحقيقة أقل أهمية من الإجراءات السابقة، لأنّه لا فائدة في "إخفاء الشمس بالغربال"، ولا من الإصرار على كبت كل ما جرى في لا وعينا الجمعي... فالمكبوتات ستُطاردنا جيلاً بعد جيل... لعقود وعقود!
مرة أخرى، كل هذا يجب أن ينأى عن عقلية الانتقام والضغينة، وحماية لنا ولكافة الأجيال من كل "ما من شأنه" أن يؤدي إلى تكرار ما مضى ودرءً للمآسي والكوارث الاجتماعية.
إننا نريد الحقيقة، شفاء للظُّلم الذي يُلقي بظلاله على مجتمعنا!
لا يحركنا لا الحقد ولا الانتقام وإنما مصلحة وطننا فوق كل شيء!
قد نصفح عن جلادينا، جلادي الشعب المغربي الأبيّ! لكننا لن ننسى، أبداً، المآسي التي وصمت مرحلة غير قصيرة من تاريخنا المعاصر!
إنّني لن أنسى، ولا أريد، وأصرّ على عدم النسيان، ما بقيتُ حيّة أُرزَق، الساعة الخامسة صباحاً من يوم 11 دجنبر 1977 عندما أوقفوا خفقان قلب المناضلة سعيدة المنبهي. إنها ذكرى أليمة، مُحزنة وظالمة نَقَشُوها في عمق أعماق ذاتي، في شعوري ولا شعوري. إنها لنْ تفارقني إلا عند رحيلي إلى دار البقاء.... ومع ذلك قلبي يملؤه الأمل وحب الوطن والتفاؤل ببزوغ شمس جديدة... تنير مجتمعنا وتَغْمره دفءً... سعادة و طمأنينة. إنّه حلم لا بدّ وأن يتحقّق... لأنّ تلك هي إرادة شعب أبيّ!
ادكر أن سعيدة واصَلت، خلال فترة اعتقالها بسجن غبيلة- مع رفاقها ورفيقيها فاطمة عكاشة وربيعة الفتوح- خوض نضالات وإضرابات عن الطعام لانتزاع حقوقها وصوناً لكرامتها من جهة. وبحكم وعيها الثوري، انصب اهتمامها على المعيش اليومي للمعتقلات في جناح النساء بالسجن. ركزت سعيدة اهتمامها على السجينات الأكثر فقراً ومعاناة ومنهن من تنعت بـ "المومسات". وقد شرعت في كتابة دراسة حول أوضاعهن المزرية، وهي دراسة لم يقدر لها أن تكتمل بسبب اغتيالها، ثانياً.
أثناء اعتقالها كانت تكرس الكثير من وقتها للكتابة التي كانت "نقل" على حدّ تعبيرها. كانت تراسلني أسبوعياً- كنت أزورها أسبوعياً في سجنها- كما كانت تراسل أبويها وأختيها وأخويها. وتم نشر كل ما كتبته في كتاب بعنوان (عربية/فرنسية) من طرف "لجن مناهضة القمع بالمغرب" في فرنسا سنة 1978، وأعدت نشرها في سنة 2000 مع تقديم رائع للفقيد المناضل محمد بلمجدوب.
بقي لي أن أشيد بكلّ العائلات التي تناضل وتُصرّ على معرفة الحقيقة، كل الحقيقة مهما كلّفها ذلك من تضحيّات... تقاوم الصمت وتزوير التاريخ منذ عقود خلت... تُقارع جبروت الدولة وأسرار الدولة من أجل معرفة مصير أبنائها المجهول، مجهولي المصير والمعتقلون في غياهب مراكز التعذيب... تحية خاصة لكل المحامين المناضلين الذي آزروا، بجرأة وتفاني، كل "ضحايا" القمع والاستبداد!
كلمة أخيرة، أقتبسها من روائع أبو القسم الشابي، الشاعر التونسي الخالد:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"
** خديجة المنبهي**
** الرباط في 14 دجنبر 2021**