حول كتاب تحديات مغربية للراحل لطفي شوقي
تحل الذكرى الأولى لوفاة فقيد اليسار المغربي الرفيق لطفي شوقي وأحسن احتفاء بذكراه هي قراءة إنتاجاته الفكرية والسياسية بغرض الاستفادة منها وتطويرها لصالح النضال اليساري والديمقراطي، وفي هذا السياق يعتبر كتابه: "تحديات مغربية ...الحركات الاجتماعية في مناهضة الرأسمالية المفترسة"، عصارة ما فكر فيه خلال العقدين الأخيرين.
صدر هذا الكتاب في خريف هذه السنة ، أي قبل وفاة فقيد الحركة اليسارية والديمقراطية المناضل لطفي شوقي شنجلي، بمدة قصيرة .
يتكون الكتاب من مقدمة تلخص أطروحة الكتاب بشكل مركز ، ومن 13 فصل موزعة على تحديد الطبيعة الرأسمالية الخاصة بالمغرب ، وهي رأسمالية ميراثية وتمزج بين الثروة والسلطة ، كما أنها ذات طبيعة زبونية في توزيع المنافع على النخب السياسية والثقافية والاقتصادية القريبة من الدوائر العليا، ومضمون الاقتصاد السياسي للريع، والأزمة السياسية والهيكلية للنظام في مقابل تنامي حقل اجتماعي مضاد ، يتهيكل في مختلف الفضاءات الاجتماعية، في الحواضر والهوامش ، ويتنوع باختلاف مطالبه ورهاناته ، ثم المحددات العامةللحركات الاجتماعية ، وكذا مجالات الاحتجاج ، في مواجهة أشكال القمع ، وأخيرا توصيف واقع اليسار الإصلاحي الذي يعاني من تراكم محجوز ويسار راديكالي جذري في مواقفه لكن بدون آفاق سياسية، وعلى ضوء ذلك يطرح الكاتب إشكالية تحليل أزمة البديل بالنسبة لليسار.
تكمن أطروحة الكتاب في التأكيد على بروز حركات اجتماعية تحمل قضايا متنوعة لا يمكن اختزالها أو تركيزها في " تحليل بسيط يحيل إلى قاموس الطبقات الاجتماعية المستندة فقط لعلاقات الاستغلال" وذلك بتوسيع التحليل ليتناول " الحركة الاجتماعية في مجموع مكوناتها التي تعيد إنتاج الرأسمال في المجتمع وتمفصلها مع ذاكرة القمع التاريخي الممنهج ضد الفلاحين والنساء والسكان الأمازيغ المضطهدين، والمكانة التي أصبحت تحضى بها القضايا الاقتصادية في معناها الواسع... إن مجموع التحولات الاجتماعية، تعني قراءة أكثر تعقيدا للتناقضات والقوى الاجتماعية التي لها مصلحة موضوعية في التغيير الجذري".
يروم الفقيد إلى نحت أطروحة سياسية تستند إلى " المقاومات الحالية التي تنتج عناصر ضد الهيمنة، وبلورة حس مشترك ، يراكم تجارب متنوعة لجيل جديد، انطلاقا من أسئلة الحياة اليومية." فالجميع يسائل الأشكال التنظيمية الموروثة عن طور تاريخي سابق، وذاكرة قمع مؤسساتي، وبالتالي ف" هذه الدينامية في تحولها العام تقرأ قضايا الديمقراطية في ضوء المطالب الاجتماعية الملحة" إن الارتكاز على هذا المعطى الجديد " بمضمون الثورة الديمقراطية ورهانات القوى الاجتماعية تفرض بالضرورة إعادة تعريف أقطاب سياسية للهيمنة وبناء كتلة اجتماعية ذات أغلبية. هذه الأبعاد لها تأثير مباشر على الطريقة التي نستشف من خلالها البديل السياسي، وإمكانيات العمل مع الحركات الاجتماعية.. حول هذه القضايا وأشياء أخرى فالتيارات المناضلة سواء كانت إصلاحية أوجذرية ما تزال متشبثة بالتقاليد التاريخية والإيديولوجية التي لم تعد تف بالمطلوب في التفكير في تعقد التحديات.. ذلك أن الديناميات الحالية تسائل جوهريا المقولات الكلاسيكية للنضال السياسي كحقل بسيط من البنية الفوقية والتي تمنح الهيمنة للمنظمات والأحزاب... فالرهان اليوم هو بالأحرى إعادة التفكير في المفاهيم التي هيمنت طويلا...والتي ساهمت في وضعية تهميش اليسار ، بينما القضية الاجتماعية هي التي تحتلل المشهد السياسي، وتتطلب الاشتغال على المسار الذي يحررها من الهوة العميقة بين النهوض الاجتماعي وغياب التبلور السياسي"
يمكن اعتبار هذا الكتاب من خلال ارتكازه على المنهج الماركسي في تحليل طبيعة الرأسمالية المفترسة و طبيعة الحركات الاحتجاجية والاجتماعية وكذا استشفاف البديل السياسي المطلوب في المرحلة الراهنة ، هو اجتهاد نوعي يدعم أويضيف إلى ما تراكم في هذا الباب، غير أن ملاحظتي في الجوهر تتعلق بتدقيق المفاهيم المستعملة مثل مفهوم الرأسمالية الميراثية، وكذا تدقيق دور القوى الثورية في هذا المخاض من تمفصل تجربتها السياسية مع الحركات الاحتجاجية والاجتماعية ، وبالطبع مع نقد أساليبها الفوقية في التأطير والإنصات العميق لنبض الشعب وعدم حرق المراحل في عمليات تطوير الوعي الطبقي.