لمحات في تقييم تجربة" الاشتراكية الفعلية
"
في إطار تخليد الذكرى الخامسة بعدالمائة لقيام الثورة البلشفية ،لا يجب على الثوريين الوقوف عند منجزاتها التاريخية فقط ،بل أيضا تقييم فشلها واستخلاص الدروس التي تسعف الحركة الثورية في إنجاز مهمة بناء الاشتراكية على أسس مادية متينة .
إن مفتاح تجسيد الاشتراكية هو أن يصبح العمال والعاملات المنتجون والمبدعون سادة مصيرهم.
عبرت تجربة "الاشتراكية الفعلية" عن عدم تحول طبقة العمال/ت إلى قوة سياسية واجتماعية تثور كافة مناحي الحياة المجتمعية وتقضي على كافة التمايزات الطبقية والعرقية والجنسية .
لقد انهارت "الاشتراكية الفعلية" بسبب الاستقطاب الطبقي مابين أنتلجنسيا قادت الثورة ومابين طبقة عاملة حاملة مشروع التغيير الاجتماعي ،وعمق من هذا الاستقطاب ودفعه إلى ذروته كي يتحول إلى سيطرة الطابع البرجوازي على جهاز الدولة ،العامل الخارجي المتمثل في الامبريالية العالمية.
بالعودة إلى ماركس ،فتعريفه للاشتراكية هي فترة انتقالية ،تحمل بصمات الرأسمالية ،ذلك أن العلاقات الاجتماعية الجديدة في ظل الاشتراكية ،تتطور وفق منظور اقتصادي-سياسي مزدوج أي المزج بين استعمال وساطة السوق ووساطة التنظيم بمعنى التخطيط القبلي لسيادة القيم الاستعمالية وتحت مراقبة ديمقراطية تحررية .
في تجربة "الاشتراكية الفعلية " غاب استمرار "النضال الديمقراطي" أي العمل على تفكيك كافة التناقضات الموروثة عن الرأسمالية وكذا مختلف أشكال الاستغلال السابقة عنها أي إلغاء التناقض بين البادية والمدينة وبين المرأة والرجل و التناقض بين العمل اليدوي والعمل الفكري والتناقض بين التملك الخاص والتملك الجماعي والتناقض بين أولويات الإنتاج الموجه إلى تلبية الحاجيات الأساسية للشعب وبين الإنتاج الموجه للصناعة الحربية أو الترفيه وهو ما عبر عنه لينين "بالمزيد من المدنية والحضارة للأكثرية الساحقة من البشر،ولو أنها تملك المقدمات السياسية لهذا الغرض".
لقد قام النظام السياسي في الاتحاد السوفياتي سابقا على قاعدة سيطرة الانتلجنسيا الثورية على مقاليد الحكم ،دون السماح بتفجير الطاقات الخلاقة لدى الطبقة العاملة المنتجة والمبدعة ،لتفرز تعبيراتها السياسية والاديولوجية والثقافية التي تنبثق من العلاقات الاجتماعية "الاشتراكية" الجديدة ،بل ظلت هذه الطاقات تحت المراقبة اللصيقة "لجهاز الدولة" الذي يتحكم فيه الحزب الشيوعي .
ارتبط هذا الإخفاق أيضا بتبني أنظمة شغل رأسمالية التي تعيد إنتاج علاقات الاستغلال الرأسمالية ، وللتذكير فقد كان لينين معجبا بنظام الشغل" التايلوري" بسبب اعتقاده الراسخ بحياد التقنية والعلم وهو ما انتقدته التجربة الماوية في الستينيات من القرن الماضي ، تحت مبرر اللحاق بالتطور التقني الغربي والذي تحول في النهاية إلى السباق نحو النزعة "الإنتاجية" والتسلح .
تشير الأبحاث الجديدة، التي تحاول الجواب على الإشكاليات المرتبطة بالأنموذج الذي طبق،إلى أولوية التملك الجماعي للمجتمع ، لكل مايرتبط بماهومشاع وينتج قيما استعمالية،تحت رقابة دولة ديمقراطية، هي الأخرى تخضع لبرنامج التفكيك السياسي والاقتصادي ،على مراحل، من أجل فتح الطريق لحكم الشعب لنفسه،دون وساطات السوق ومختلف أشكال السلطة السياسة والإدارية.