المعارضة الجذرية والاحتجاجات الشعبية
ورثت البرجوازية في المغرب ،أسوأ التقاليد الرجعية في الهيمنة ،المتمثلة في الأشكال الثقافية، لتكريس الخنوع والاستبداد د ،التي ننعتها
عادة ب"الثقافة المخزنية" وهي مستلهمة من ثقافة "الآداب السلطانية" ،بالإضافة إلى أشكال الإنتاج الريعية والتبعية ،الموروثة عن اإمبريالية وخاصة الفرنسية ، وهي أشكال جد مدمرة للإنسان والثقافة والبيئة ،والتي بسببها يتم مأسسة الفقر الاجتماعي والثقافي ،وتعميم الهشاشة ،في كافة مناحي الحياة الاجتماعية ، بدء من الأسرة وورشة العمل والإدارة إلى مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية المسيطرة .
ولتكريس هذا الوضع ،تمنع أية حركة احتجاجية أو اجتماعية ، حتى في حدودها الدنيا ،من حقها في تنظيم الاحتجاج بل وتعرقل أي تراكم في النضال،بشتى وسائل الإكراه المادي والمعنوي ،للحيلولة دون أن تتحول الأشكال أو الأدوات التنظيمية للجماهير إلى مكسب جماعي ،يساعدها على تحقيق مكاسب اجتماعية ملموسة ،ولا أدل على ذلك ،من تعامل هذه البرجوازي الطفيلية ،ونظامها المخزني المتعفن ،إزاء .الحراك في الريف وفي جرادة وزاكورة وأوطاط الحاج وباقي المناطق التي تعرف احتقانا اجتماعيا .
إن تكسير الحلقة المفقودة ،بين تطور النضال الشعبي وبين اكتماله ،في أشكال أو أدوات تنظيمية قارة وحاسمة في إنتاج القيمة المضافة ،هو ما يستعصي ،في الظروف الملموسة ،لمكونات اليسار المناضل ،من بلوغه،
الشيء الذي يفترض إعادة النظر في مجمل التجارب التنظيمية ،والتسلح بما يكفي من الخلاصات السياسية ،ذات العلاقة بالتجارب التي نجحت ،أوتلك التي لم تسعفها ملابسات وشروط النضال ل في ظل القمع الأسود الذي عشنا فصوله وتلظينا بناره خلال القرن الماضي.
لم تعد الحركات الاحتجاجية تقتصر فقط على إدانة النظام الممعن في تسلطه، ولكنها تظهر معارضة سياسية مباشرة عن طريق التجريب:مقاطعة بضائع بعض شركات الريع والاحتكار نموذجا، استثمارا لملاعب الرياضية للتعبير عن إدانتها لنظام قمع الحريات والحرمان من العمل والتعليم، خلق منصات النقد المنهجي للسياسات النيو-لبرالية على مستوى التواصل الاجتماعي، خلق شبكات تنسيقيات للنضال حول قضايا اجتماعية أو بيئية، اعتصامات أمام مقرات العمل، عرائض للساكنة حول تدبير الماء والطرقات، انتفاض التلاميذ حول التدبير الأعمى للمؤسسات التعليمية، مسيرات شعبية من أجل الولوج إلى الحق في الماء وتعبيد الطرق من أجل فك العزلة عن المناطق النائية، الانتفاض الشعبي ضد جواز التلقيح والزيادة في أسعار المواد الأساسية، وهي في كل ذلك تسعى إلى بلورة الصيغ التنظيمية والتعبوية القادرة على توحيد كافة الشرائح الاجتماعية المقصية من نظام الإنتاج، والباحثة عن صيغ جديدة لتدبير عمومي ديمقراطي، يسمح بولوجها درجات متقدمة من الرقي الاجتماعي والثقافي والحضاري. هنا يثار السؤال حول مكان المثقف، ودوره في التعبئة الاجتماعية، من خلال أنماط المشاركة المختلفة ،من أجل الرفع من وتيرة العمل الفكري، بصفته تجربة في المعارضة الموازي لمختلف أشكال المعارضة، و الذي يشكل في المرحلة الراهنة الترياق الذي يجعل من مبادرات الجماهير ذات أمل تحرري وقابل للتحقق.