تسليم مفاتح تدبير قطاعات توزيع الماء الصالح للشرب
والكهرباء، وتطهيرالسائل إلى شركات جهوية ذات خدمات متعددة
صادقت الحكومة على مشروع قانون رقم 83.21، بتاريخ 27 يناير الأخير، والذي بموجبه سيتم تعويض المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وتطهير السائل إلى شركات جهوية ذات الخدمات المتنوعة، وهو اليوم بيد البرلمان ليبت فيه في قادم الأيام، فما هو الجديد الذي أتى به هذا المشروع؟
كان نظام التدبير المفوض الذي كان معمولا به في السابق يسند تدبير خدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل إلى شركات خاصة، وحسب تجربة أزيد من ثلاثة عقود كانت أهمها تدبرها شركات أجنبية. وفي السنوات الأخيرة عرف تسيير التدبير المفوض لقطاعي الماء والكهرباء ، سواء من خلال المكتب الوطني لتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، أو الشركات الخاصة الأجنبية عددا من التجاوزات والأعطاب البنيوية، وعلى الخصوص تضرر السكان من ارتفاع فاتورة استهلاك الماء والكهرباء، وعدم الاستجابة الفورية لتظلماتها وبشكل خاص في المدن الكبرى التي تسيطر عليها شركات التدبير المفوض الأجنبية، مثل طنجة وتطوان والرباط والدارالبيضاء.
نتساءل مثل جميع المتضررين ، هل تنفيذ هذا المشروع الجديد ستستفيد منه الساكنة وتتجاوز مخلفات الماضي، أم أنه سيعمل على تعميق استياء وغضب الفئات العريضة من المجتمع التي تعاني منذ فترة طويلة من تفاقم سوء تدبير قطاعات توزيع الماء الصالح للشرب، والكهرباء، وتطهير السائل؟
إن قراءة متأنية لبنود هذا القانون ، تبرز إرادة المشرع الذي لا يخفي الخلفية السياسية من أجل تنمية الرأسمال الخاص المحلي مع توسيع قاعدته الاجتماعية، فضلا عن استبدال بعض الشركات الأجنبية كعقاب سياسي بشركات أخرى، في ظل ظرفية إقليمية ودولية تشهد أزمة الطلب المتزايد على خدمات قطاعات الماء والكهرباء.
1-في كيفية إحداث الشركات الجهوية ذات الخدمات المتعددة
تشير المواد الأولى من بنود مشروع القانون(1، 2، 3) بأن إحداث الشركات الجهوية سيكون بمبادرة من الدولة والتي تحمل اسم " الشركة الجهوية متعددة الخدمات" ويتحدد " غرضها الرئيسي في تدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء، في حدود مجالها الترابي بناء على عقد التدبير المبرم مع صاحب المرفق" وستشرف على جميع الأنشطة والعمليات الصناعية والتجارية والعقارية والمالية بارتباط مع غرضها الرئيسي، وموجب عقد التدبير تستطيع تحصيل " الرسوم. أو الأتاوى. أو الأموال. أو المساهمات. غو الفواتير لحساب صاحب المرفق غو الدولة أو لحسابها الخاص، حسب الحالة.
في عملية إنشاء هذه الشركات الجهوية ستكون الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية ، وكذا الجماعات الترابية وكافة المؤسسات التي تتعاون معها والتي تدخل في مجالها الثرابي، أن تكون مساهمة في رأسمال هذه الشركات، ولن تخضع مقرراتها للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من " لدن الحكومة المكلفة بالداخلية".
2- وضع البنية التحتية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب وتوزيع الكهرباء تحت تصرف الشركات الجهوية
تسمح بنود المواد ( 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10) بمنح امتيازات كبيرة للشركات الجهوية التي تتجلى في استفادتها من " المنشآت وقنوات توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل. ومن حق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت لملاك الخواص" فضلا عن استفادتها من " جميع الحقوق والامتيازات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل لفائدة المستثمرين أو منعشي المشاريع الصناعية"، هذه الاستفادة لا يجب أن تخل بالتوازن المالي لعقد التدبير بين الدولة أو صاحب المرفق والشركة( المادة8) كما يجب الالتزام من طرف الشركة بالتزاماتها إزاء الدولة بعد انتهاء صلاحية تنفيذ بنود عقد التدبير وإرجاع أموال الرجوع ( مجموع المنشئات والمقرات والأملاك العقارية) دون " تفويتها أو بيع أو كراء أو ضمان كيفما كان نوعه من قبل الشركة طيلة مدة عقد التدبير".( المواد 11، 12، 13، 14).
رغم إرادة المشرع باستدماج وإعادة تشغيل الموظفين والمستخدمين والعمال لدى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وتوزيع الكهرباء، في الشركات الجهوية ولو اعتمدت هذه الأخيرة لنظام أساسي جديد للتوظيف كما نص على ذلك البند 15 من مشروع القانون، فإن إجراءات احترازية التي تسمح بالحفاظ على مكتسباتهم السابقة غير مضمونة بقوة القانون في هذا المشروع، مما يوحي بانتظار مصير مجهول لعموم المستخدمين والموظفين والعمال، وهو ما نبهت له بعض المركزيات النقابية.
3- استنتاجات
إن ما يتم التحضير له من خلال مشروع قانون تدبير قطاعات الماء الصالح للشرب وتطهير السائل وتوزيع الكهرباء، وإنشاء شركات جهوية ذات تخصصات متنوعة ، لتحل محل المرفق العمومي( المكتب الوطني للماء الصالح للشرب وتوزيع الكهرباء) هو تصفية هذا الأخير تصفية نهائية ، ويعتبر هذا التحول استمرارا للاختيارات الاقتصادية المملاة من طرف المؤسسات المالية النقدية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ليخدم في النهاية النموذج التنموي الليبرالي المتوحش المعمول به منذ عقود من طرف نظام استبدادي وتبعي، حيث تزداد ثروة أغنياء المغرب التي تقدر ب125 مليار دولار حسب آخر تقرير أوكسفام، ومنهم ثلاثة تفوق ثروتهم مليار دولار وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالية عزيز أخنوش، وعثمان بنجلون الرئيس التنفيذي لمجموعة" بنك أوف. أفريكا" .
والحال هاته ما هي الأدوار والمهام الموكولة للنقابات المركزية وقوى اليسار المدافعين عن المرفق العمومي والخدمة العمومية وضد زحف مسلسل تفويت القطاعات العمومية إلى الرأسمال المحلي والأجنبي ؟ جوابا على هذا السؤال لنترقب رد فعلها في قادم الأيام.